السبت، 28 أبريل 2012

اليمين المتطرف "غير المُعقّد"





لوموند، 28 أبريل 2012

يتمو
ْقع نجاح مارين لوبان في الأدهان أكثر مما يتموقع في الأرقام، فرئيسة حزب الجبهة الوطنية لم تحقق الهدف الذي قامت بتحديده والذي كانت على امل الوصول اليه: ان تكون مصنّفة الثانية. لقد استطاعت تعبأة 896000 صوتا أكثر مما استطاع والدها تعباته في الجولة الثانية سنة 2002. وهذا يعتبر دفعة قوية لمسارها، ونتيجة تاريخية، ولكن هذه الدفعة لا يمكن اعتبارها بمثابة "موجة مد" على رغم الرياح المواتية التي رافقتها ظيلة هذه الحملة الانتخابية.

ففي عام 2002، استفاد جان ماري لوبان من أجواء ما بعد 11 شتنبر ومن المشاعر التي تحركت اثر الاعتداء الرهيب الذي تعرض اليه رجل مسنّ. فبعد مرور عشر سنوات، تألقت ابنته بصورة أفضل بكثير في ظل مناخ مروع يخول لها الارتكاز على الأجواء التي خلقها. حدوث الازمة الاقتصادية التاريخية. فخيبة أمل ناخبين نيكولا ساركوزي، على الرغم من فترة ولاية امتدت على مدى خمس سنوات وحملة انتخابية ارتكزت أساسا على التملق لمواضيع ومصطلحات يتميّز بها اليمين المتطرف عن باقي الاحزاب. وأخيرا، وكتتويج لهذه الظروف الملائمة، حدوث الهجوم الاسلامويي. أفضل من ذلك، لقد قام أب لإرهابي بالتهديد بتقديم شكوى ضد فرنسا. وعلى الرغم من هذا الكوكتيل المتفجّر، لم تحصل مارين لوبان سوى على 896000 صوت أكثر من جان ماري لوبان ... بينما استقطب جان لوك ميلينشون ثقة 3.9 مليون فرنسي في حملة واحدة.

غير ان هذا الفارق يبقى مهما للغاية. فيمين اليمين يزن أكثر من يسار اليسار. فعلى ضوء كل ذلك، ومن هذه الزاوية،
أي زاوية الجبهة الوطنية، سوف يتم فحص اوجاع فرنسا الساخطة على الوضع، وبالألة المكبرة.

ففرنسا ممزقة، ومن الواضح منساقة أكثر الى رفض العولمة عن رفض الرأسمالية. حيث يختلط الخوف من ترحيل الشركات بالخوف من المهاجرين. كما لو ان ترك الابواب مفتوحة، من شانه اخراج الآلات وادخال الأشخاص، وبالتالي يشكلان كلاهما منافسة وتهديد في نفس الوقت لا بالنسبة للعمل ولا بالنسبة للحياة داخل المجتمع.

يجب ان نعلم ان  التصويت للجبهة الوطنية هو تصويت تجمّعي. تصويت فرنسا التي تحلم بالقلعة، وهي قادرة على الانطواء على نفسها، وعلى بعضها البعض وعدم سماع "ضجيج" الآخرين وكل مآسيهم وسوء أحوال الطقس. ففرنسا تحلم بالتحكم من جديد في قَدَرها وتعتقد ان باستطاعتها فعل ذلك بخروجها من العالم. الى درجة يبدو فيها البلوغ الى المستوى الأوروبي هدف غير قابل للتحقيق ولا للفهم وقليلا ما يستسغ الى نداء الشعوب.


وهذا الامر ليس افتراء، وليس من الصعب أن نتصور فرنسا تعترف باستمالتها لهذا الإغراء. فرنسا البوادي التي تشعر بنفسها بعيدة عن المدن. وفرنسا السفلى المتعطشة للانتقام من فرنسا العليا. وفرنسا المتقدمة في السن والتي تخاف من الشباب. وفرنسا الشبيبة الغاضبة من كونها سوف تعيش حياة أسوأ من مُسنّيها.

فهؤلاء الفرنسيين هم الذين نفخوا الرياح التي هبت في أشرعة مارين لوبان. ولكن ليس هذا هو الدرس الحقيقي الذي قد نستشفه من هذه الجولة الأولى. فعلينا ان نعلم ان الجبهة الوطنية لم تقف على الجولة الثانية لتحريك زلزال لن يستيقظ منه حزب اليمين. ان سد جاك شيراك سقط تماما لا في المصطلحات ولا في الادهان. بسبب استعمال عبارة حزب اليمين "غير المعقّد"، قام نيكولا ساركوزي وباتريك بويسون بتدمير هذا السد، حجرة بعد حجرة. وسيبقى من بعدهم حطاما. وعلى هذا الحطام تأمل مارين لوبان إعادة بناء يمين متطرف "غير مُعقّد" ... سوف لن يجرأ أحد تسمية حزبها بالمتطرف. لأنه سوف يصبح، هو نفسه حزب اليمين. ومن دون نعث 
!

كارولين فوريست "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"

الجمعة، 20 أبريل 2012

جبهة ضد جبهة




لن تستيقظ فرنسا على نفس الإيقاع وخصوصا بنفس الوجه حسب ترتيب المرشحين في الدورة الأولى من هذه الانتخابات الرئاسية. أتصدر فرانسوا هولاند هذه الانتخابات عند موعد 22 ابريل. أم استطاع جان لوك ميلينشون تحقيق "المعجزة" وجعل مارين لوبان تحتل المركز الرابع.

ليس هناك مباراة يُحسم فيها مسبّقا. ولا سيما تلك التي نحن بصددها. فنتائج التصويت لصالح الجبهة الوطنية صعب التنبؤ - يتمّ دائما سوء تقدير نتائجها - لا شيء يمكن توقّع الفارق الذي قد يفصلها عن جبهة اليسار. هناك شيء واحد مؤكّد. هي الصورة التي سوف تعكسها فرنسا وصورة التي سوف يعكسها الفرنسيون لأنفسهم ستكون مختلفة جدا إذا استطاع هذا اليسار تجاوز الجبهة الوطنية بفارق بسيط، أو حتى التساوي معها فيما يخص عدد الاصوات.

لقد تم التركيز كثيرا على القواسم المشتركة بينهم. قد يكونوا موجودين.  انها القدرة على التغلب على صعوبات الواقع، على هذه الرسومات البيانية اللعينة للاقتصاد وهؤلاء الصحفيين المزعجين، لرسم عالم وهمي، أكثر انسجاما مع وعود الملوّح بها ... 

ان الامر جد سهل لأولئك الذين ليس عليهم احترام وعودهم. وقد يعتقد البعض ان الجبهتين لم تتخلصا بعد من الحنين المشكوك في امره الى اليوتوبيا الشمولية المسجلة في الحمض النووي لشيوعية أو القومية. فالقاسم المشترك بين هاتين اليوتوبيتان العقائديتان هو كون أيديهم ملطّخة بالدماء ويدوسون دائما بأقدامهم على حرية التعبير والرأي.

ومع ذلك، لم يعد لهاتين الجبهتين علاقة بيّنة مع هؤلاء الوحوش. فمارين لوبان رغم رقصتها الجميلة في فيينا مع من يشدّهم الحنين الى النازية، فهي لا تريد إبادة "الاعراق الدونية "ولكن تُفضل الوطنيين عن غيرهم. وجان لوك ميلينشوني قد يغني باعلا صوته نشيد العالمية، فهو لا يريد ديكتاتورية البروليتاريا ولكن يبحث عن وضع حد لدكتاتورية الأسواق.

إذا كانت ويلات الاستبداد باسم الأمة في بعض الأحيان مماثلة لتلك التي ترتكب باسم البروليتاريا، فلا مقارنة بين جبهة اليسار والجبهة الوطنية. ان ثقل أوجه التقارب التي تجمع بينهما أخف بكثير من وضعهما الراهن وخلافاتهما العميقة.
وان كانت وريثة الجبهة الوطنية تتحدث باسم الشعب والجمهورية وباسم العلمانية، فهي لا تعترف الاّ بقانون العشيرة، وبحلم استعادة الهيمنة الثقافية الكاثوليكية وبحق الدّم. ففرنسا التي تنادي اليها غاضبة من المهاجرين. فهي لن تكون فرنسا المؤيدة للمساواة ولكن فرنسا تدرّج الهرمي الاجتماعي للفرنسيين. مركزها الثالث في الانتخابات – 
وقد يكون الأمر أسوأ – هو بمثابة دعوة الى تثبيت الهوية.

فالاّمُتسرول (سان كيلوت) وان كان وزيرا وعضوا في مجلس الشيوخ، يعرف جيدا أفضل من غيره تاريخ الجمهورية ويُجسّد أكثر من أيّ أحد، الشغف المتمرد النّاتج عن الثورة الفرنسية. فرنسا التي يريدها غاضبة على الأغنياء. قد تُربك المفاهيم بين الرغبة في الانتقام والبحث عن العدالة الاجتماعية، نسبة الى درجة مرارتها. لكن هذا الغضب، على الأقل، أمر مفهوم. وإذا حضي هذا اليسار بالمركز الثالث فسوف يرسل إشارة قوية... لصالح المساواة.

هذا ما ننساه أحيانا عند مقارنة الجبهة الوطنية بجبهة اليسار. فالمفارقة بينهم مسألة لا تتوقف على نسبة الاختلاف ولكن على طبيعتها وأهدافها. ومن شأنها أن تغير صورة فرنسا على حسب صفّ ترتيبهم.

للتاريخ: نهاية التشويق. خلافا للآمال المذهلة التي خلقتها استطلاعات الرأي ولكن طبقا لتخوفاتنا، انتصرت الجبهة الوطنية بفارق كبير على الجبهة اليسارية ...

كارولين فوريست في جريدة لوموند

"عندما يتحلّى اليسار بالشجاعة" دار النشر غراسييه 2012