الاثنين، 14 سبتمبر 2015

الأصدقاء الأصوليون لجيريمي كوربن




هل يجب أن نبتهج لانتصار جيريمي كوربن؟ فاليسار الراديكالي يتحدث عن " زلزال" سياسي، بينما آخرون يعتبرون هذا الحدث عكس ذلك تماما، فهو بمثابة انتحار سياسي على حدّ قولهم.

ابداء الرأي في هذا الموضوع يتوقف على تحديد زاوية وجهة نظر عند الحديث على جيريمي كوربن. إذا تحدثنا من وجهة نظر اقتصادية محضة، على غرار ما يفعله غالبية الصحف، فانتصاره أمر يُحتفى به. كونه دليلا قاطعا على تواجد يسار قادر على الدفاع عن دولة الرفاهية في إنجلترا.

غير ان الزعيم الجديد لحزب العمال يعارض بشدّة سياسة التّقشّف. بل إنه يدعو إلى إعادة تأميم قطاع الطاقة والسكك الحديدية. مما يبعث الروح ويجدد النّشاط بعد سنوات مديدة من رفع الضوابط التنظيمية وتتالي عمليات الخصخصة تحت حكم مارغريت تاتشر أو طوني بلير.

لقد قضى نتخاب جيريمي كوربن على تيار بْلير أو ما قد يسمى بالبْليرية. إشارة إلى أنه بعد توالي حزبي سيريزا (ائتلاف اليسار الراديكالي) وبوديموس (حركة قادرون)، يمكن أن نحلم ببريطانيا عظمى لا تفكر بتعطيل أوروبا السياسية، بل على العكس من ذلك تماما، فهي تُشجع على خوض سياسة حقيقية للنهوض بأوروبا. وقد يبعث هذا الأمر السرور في النفوس لو كان هذا هو الوضع الحالي. غير أن هذا الانتصار أمرا مخادعا.

إن انتخاب جيريمي كوربن لن يقضي على البْليرية، ولكنه سيجعل اليسار الانجليزي يغوص في غيبوبة طويلة الأمد.  فبتزعمه حزب العمال، وما إن يتعرّف عامة الناس على البعض من مواقفه حتى يمكّن حزب المحافظين من الاستيلاء على الحكم في 10 داوننغ ستريت لسنوات طوال.

دعم لضحايا مكافحة ... الإرهاب
إن المحافظين مبتهجون من الآن لفكرة مواجهته، ذلك أن الرجل قد راكم من المواقف المثيرة المشكوك في أمرها على مر السنين. ولا يتعلق الأمر هنا بمواقفه الاقتصادية.
هذه السياسة البديلة الطموحة، التي تجري عكس تيار الكثير من الانجليزيين، تستحق أن تُناقش وان يُدافع عنها. ولكن الأمر يتعلق بمواقفه المتخذة فيما يتعلق بالسياسة الدولية وحرية التعبير والإرهاب. وهي مواضيع يتم أحيانا التقليل من شأنها في خضم التعليق السياسي، بالرغم انها في غاية الأهمية.
تخشى بعض الجمعيات علاقات كوربن بمساندي نظرية المؤامرة وبالمعادين للسامية على سبيل المثال. فهناك من يسميهم " أصدقاءه" من قادة حماس وحزب الله، يشترك معهم في الكثير من المحافل موضحاً أنه من دواعي سروره وفخره.
أما المحيطون بكوربن فيدافعون عنه موضحين أنه لم يكن يعرف القناعات التحريفية ومنكري المحرقة لأثنين من أصدقائه، وأنه يسمي الجميع " أصدقاءه".
ومع ذلك فإنه يمتلك مكتبا عند أصدقائه في جامع فنسبوري، إحدى جوامع أوروبا الأكثر راديكالية، تم انتزاعها مؤخرا من قبل الإخوان المسلمين من بين أيدي الجهاديين... "مكان رائع" على حد تعبيره.

وهو يدعم أيضا جمعية كاج، المنشأة من قبل إسلامويين لدعم ضحايا مكافحة الإرهاب. نعم لقد سمعتم بشكل صحيح، ضحايا مكافحة الإرهاب وليس ضحايا الإرهاب. إنها مسألة أولويات.

 اليسار " المندمج " مع المتطرفين
لا نزال في إطار المواقف المشبوهة، فإن كوربن يعطي عن طيب خاطر مقابلات للتلفزيون الإيراني ولقناة روسيا اليوم، قناة دعاية النظام الروسي المفضلة لديه. بل إنه وصفها بأنها القناة الأكثر "موضوعية" في المشهد الإعلامي السمعي البصري. الأمر الذي يكشف جليا ومطوّلا عن رؤيته للعالم.

لقد تظاهر سنة 2006 ضد نشر رسومات للنبي محمد رُفقة الأصوليين الإنجليز الذين يبدو أمامهم إسلاميون فرنسا طوباويين ومندفعين من جيل الثمانية والستين. فيما عدا ذلك، فإنه يشعر بالأسف الشديد لما حدث في 7 يناير.

باختصار، فإن جيريمي كوربن هو نتاج صرف لذلك اليسار الراديكالي المتودد لأسوأ المتطرفين في الكوكب، مدفوعاً بروح التمرد أو بمعاداة الأمريكية بشكل بدائي.

أولويته ليست التقليل من عدم المساواة بقدر ما هي دعم لسياسة تعدد الثقافات "المندمجة ". وهو مصطلح جذاب يجب ترجمته بالانضمام إلى النموذج التّجمُّعي الانكلوساكسوني، الملائم جداً لخلق أجواء المنافسة بين مجتمعات ذات استثناءات أصولية، على حساب المساواة بين الرجال والنساء أو على حساب العلمانية.

وإنه لمن المؤسف أن نقول إن مثل هذه الشّبهات لم تؤثر سلبيا عليه لحظة انتخابه على رأس حزب العمال. ولكن ما هو مؤكّد: أن هذا سيتم استذكاره وسيكون خطأ قاضيا في وجهة نظر الرأي الانجليزي عند حلول الانتخابات الوطنية.

ليس لجيريمي كوربن أدنى حظ في إقناع جمهور عريض
إذا كان اليسار العمّالي يريد أن يظل في المعارضة، فلقد أحسن الاختيار. فبالنسبة لبعض أنصاره يعتبرون هذا الأمر ليس أصلاً سيئاً للغاية. فعندما يكون المرء يساريا حتى النخاع وليس تقدميا، فإن الهدف من حملته ليس إقناع أكبر عدد ممكن بالانضمام إلى التقدّم، ولكن أن يكون على صواب، وحده ضد الجميع، وأن يستطيع هكذا الحفاظ على صفائه.

وفي هذا المجال، يمكن لأولئك المدافعين عن يسار راديكالي متحالف مع الأصوليين والطغاة على الصعيد الدولي، أن يطمئنوا تماماً. فطالما يظلون عاجزين عن طرح بديل اقتصادي دون التخلّي عن تلك اشكال التّساهل أو عن غض النظر عن الأصوليين والحكام المستبدين، فلن يخاطروا ابدا بتوسيخ أيديهم عند إمساكهم مقاليد الحكم.

وبالرغم من الأزمة، وكلّ من ينفخ في أشرعتها، فإن هذا اليسار الراديكالي لن يستقطب أبداً اليسار الديمقراطي. في حقبة زمنيّة موسومة بمخاطر الهجمات، لا يعمل هذا اليسار إلا على الدّفع الى الأمام باليمين المتطرّف، دون أن تكون لديه أية فرصة في أن يؤثّر ايجابيا على مصير أوروبا إلا وهو على حافة هاوية أو في دور فزاعة. 

كارولين فوريست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق