الجمعة، 18 يناير 2008

التنوع ضد المساواة

 هي ثورة معاكسة صغيرة قادمة لا محالة. بحجة محاربة كل اشكال التمييز، فقد رغِب رئيس الجمهورية في تسجيل "التنوع" في ديباجة الدستور. وأعتبر هذا الإعلان شعبوي. هل تم قياس جديا مدى رمزية هذا التتويج؟
فديباجة دستور عام 1958 "يعلن رسميا التزامه بحقوق الإنسان ومبادئ السيادة الوطنية على النحو الذي حدده إعلان سنة 1789، كما تم تأكيده وتتميمه في ديباجة دستور 1946 ".

ففي مادته الأولى، يقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ان "الرجال يولدون ويبقون أحرارا ومتساويي الحقوق. فلا يمكن تأسيس التمييز الاجتماعي الا لفائدة الصالح العام ". فديباجة دستور 1946، التي تنص عن المساواة بين الجنسين، تضيف أنه "لا يجوز لأحد أن يتعرض للأذى، في عمله أو وظيفته بسبب أصله، أو آراءه أو معتقدات ". هذا يعني أن المساواة بين الجميع تشكل جوهر الدستور الحالي. لماذا نريد إذاً ادخال كلمة "التنوع"، إضافة إلى كلمة "المساواة"؟

السبب على ما يبدو تقني. فباسم المساواة، قام المجلس الدستوري مؤخرا بإبطال الفصل 63 من قوانين أورتوفو Hortefeux التي تنص على إنشاء الإحصائيات العرقية والتي تدعا "التنوع". قد يثير هذا الأمر استياء المتفائلين لكن الغرض من هذه الإحصائيات لا تهدف إلى قياس التمييز والتحيز -فهذه الدراسات متوفرة بالفعل – بقدر ما تسمح التعقب الحقيقي للأقليات، وذلك من أجل الاستخدام السياسي لها والتي عاجلا ما سوف تنزلق هذه الاحصائيات من ايدي العلماء ذوي النوايا الحسنة. ويبدو أن هذه النوايا السياسية تحاول الالتفاف على هذا الحاجز الدستوري، بإضافة لفظ "التنوع" -ثمرة ميول وسائل الاعلام مؤخرا – لشعار "الحرية، المساواة، الإخاء". وبدون شك، هذه الاضافة تأسس لانتصار الحق في الاختلاف على الحق في اللامبالاة في التساوي. وهذا بعيد أساسا بالذات عن إرث الثورة الفرنسية، بل يقرِّبنا أكثر من التصور الأنجلوسكسوني بامتياز، فأكثر مفارقة وأكثر طائفية. وذلك بالتّأكيد على ما يفرِّق بيننا وليس بالتّأكيد على ما يجمعنا. فعن أي تنوُّع نتكلم نحن؟ ما هي تلك الاختلافات المهمة التي تجعل منا كائنات "مختلفة" وليس متشابهة؟ أهو لون الجلد، ام أصل آبائنا أم ديننا؟ هل هذا حقا ما يجعل منّا مواطنين مختلفين الى درجة تشكيل مكونات كوكتيل جمهوري غريب وعجيب؟

يبدو أن الفكرة قد نالت الاعجاب. ومن المؤكد أن استخدام كلمة "التنوع" لديه ميزة في الكفاح ضد الإغواء بحصر استعمال "الرجل" في الإعلان العالمي، في صيغته المهيمنة. لكنه يجب الانتباه عند إساءة استعمال اللغة. فاستخدام كلمة "التنوع" لإيقاظ أوجه النظر في وسائل الإعلام تبدو ايجابية ولكن بشكل عابر. فيمكن استحضارعلى سبيل المثال، تنصيب النماذج المنبثقة من الأقلية المرئية في مناصب مسؤولية في الحكومة أو تجديد النخب على هذا المنوال. وهذا لا يمت بصلة ادخال كلمة "التنوع" في ديباجة الدستور. عندما تصبح كلمة "التنوع" محفورة، سيكون لها تأثير على السياسات العامة. فمكافحة عدم المساواة، التي يصعب تحقيقها على المدى القصير، قد يتم التخلي عنها مقابل سياسة آثارها آنية، وظهورها بارز، سياسة يتم دردرة الغبار العرقي عليها. وبدون ذكر اسمها، لأن هذا غير مرغوب فيه، فهذا "التمييز الإيجابي" سوف يخفي وبلا شك، استمرار الفوارق والتفاوتات في العمق.

ليس هناك من هو ضد فكرة إعطاء المزيد لمن لديهم القليل. فالنقاش الوحيد يدور حول طبيعة المعايير المعتمدة. وقد أسفر هذا الطموح حتى الآن عن وضع سياسات تهدف الى تصحيح عدم المساواة استنادا إلى المعايير الاجتماعية والاقتصادية، مثل توفير موارد إضافية لمناطق التعليم ذات الأولوية. وعيا بالتوفير التي يحققه نهج مثل هذه السياسات، فقد قرر الرئيس القيام بهذه الموازنات ليس على أساس "المجال" ولكن على أساس "الأفراد". خصوصا اتجاه الأفراد الذين هم "لون بشرتهم تختلف عن بشرة الأغلبية." غير انه إذا كان المعيار "العرقي " يحل محل المعيار الاجتماعي، فابن دبلوماسي اسود مثلا يعيش في الدائرة السادسة عشرة يمكن أن يستفيد من التعويضات والمساعدات التي قد نرفضها لنجل أحد العمال الذي يعيش في سين سان دنيس.

فتخيلوا فرضية التصعيد التي قد تمارسه الضحايا والاستياء الطائفي التي قد تولده هذه المقاربة؟ الى جانب الطبيعة الغير هادفة لهذه التدابير بالنسبة لمن مورس عليهم التمييز أنفسهم. إذا كان ابن الدبلوماسي الاسود لا يحتاج الى مساعدة الدولة للدراسة، فإنه يحتاج الى تراجع العنصرية ضد السود. ف"التمييز الإيجابي" الذي يتمثل في التعيين في مناصب مسؤولية وفق معايير عرقية، بغض النظر عن ظروف الموارد، سيعتبر على التو "امتياز". وعلى المدى البعيد، "فالكيل بمكيالين" قد يبرر توقف الفرنسيين عن الاحساس بالذنب، وبالتالي توقفهم عن تفكيك احكامهم المسبقة اتجاه الأقليات. أما بالنسبة للأقلية الناجحة، فمؤهلاتها سوف توضع محل شك، حتى لو لم تحصل أبدا على امتياز معين.

ان الآثار التي سوف يتم غالبا الحصول عليها سوف تكون مغايرة للأثار المرتقبة. فبعد سنوات من الاحساس بالوعي المناهض للعنصرية، نقوم بتدشين عملية تفضيلية تحيي من جديد الأحكام المسبقة. وفي نهاية المطاف، قد يحل احترام "التنوع" محلّ البحث عن المساواة وقد يتعارض أيضا معها.

للتاريخ: هذا العمود هو الأول في صحيفة لوموند وبداية لصراع طويل ضد موضة عرض "التنوع" للإخفاء الافضل لغرض الإقلاع عن مفهوم المساواة.


كارولين فوريست في كتابها "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"

لوموند، 18 يناير 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق