الأحد، 27 سبتمبر 2015

كارولين فوريست: الأصوليون سيجلبون لفرنسا اليمين الدكتاتوري

الكاتبة والإعلامية الفرنسية تدعو إلى عدم الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والتعدد الثقافي كأمر واقع.
العرب حميد زناز

كارولين فوريست من أهم الإعلاميات الفرنسيات، كاتبة سيناريو ومديرة مجلة بروشوا، كتبت عمودا بجريدة لوموند لمدة 5 سنوات كما درست مدة أربع سنوات في جامعة العلوم السياسية الشهيرة بباريس. نالت كتبها جوائز كثيرة من بينها الجائزة الوطنية للعلمانية وجائزة الكتاب السياسي. وهي اليوم عرضة لعنف اليمين المتطرف والإسلاميين والمتطرفين الكاثوليك وقد تم الاعتداء عليها ومنعها من إلقاء محاضرات من طرف هذا الثالوث العنيف. نشرت مؤلفات كثيرة لافتة حول اليمين المتطرف والأصولية من أهمها “العلمانية على محك الأصوليات: اليهودية، المسيحية والإسلام”، “الأخ طارق: استراتيجية ومنهج طارق رمضان”، “الإغواء الظلامي”، “مارين لوبان، بلا قناع”، “اليوتوبيا الأخيرة”، و”حينما يكون اليسار
جسورا”.

الجديد: يجد الأجانب وخاصة العرب منهم صعوبة في فهم ظاهرة تأسلم وتعصب الكثير من الشبان الفرنسيين! فكيف تحول هؤلاء إلى متطرفين في جمهورية علمانية؟

كارولين فوريست: في الحقيقة يسمح العيش في جمهورية علمانية بضمان حقوق الذين يرغبون أن يعيشوا أحرارا، ولكن لا يمكن أن يفعل شيئا ضد الذين، هم أنفسهم، يريدون أن يعيشوا عبيدا. العلمانية تحمي حرية الضمير وعلى الخصوص حرية الأقليات الدينية، عكس ما هو حاصل في البلدان التي تطبق قانون دين سائد. هنا لا تُقصى الأقليات ويمكنها رفع دعوى قضائية في حال ما إذا مارس أحدهم التمييز ضدها. ولئن كان هذا الإطار الديمقراطي مثاليا بالنسبة إلى الأغلبية، فهو فاشل مثل الدكتاتوريات، وربما أكثر حينما يتعلق الأمر بأفراد يستفيدون ويستغلون هذه الحرية من أجل قمع الآخرين والخضوع لنظام أيديولوجي عنيف يعتبرونه أعلى شأنا من الديمقراطية العلمانية. وهي حالة المتعصبين. وخلافا لما كتبه الصحافيون الأميركيون والبريطانيون غداة الهجوم الدامي على جريدة شارلي إيبدو بباريس، فإن المتعصبين والإرهابيين يمكن أن يولدوا في كل المجتمعات، عربية وأوروبية، خاصة منذ أن أصبحت الشبكات الإرهابية تجند عن طريق الانترنيت.

الجديد: ولكن الأمر مستفحل بفرنسا؟

كارولين فوريست: بما أن فرنسا هي البلد الأوروبي الذي يعيش فيه أكبر عدد من المواطنين من ذوي الثقافة الإسلامية، فمن البداهة أن يكون هذا البلد معرضا أكثر من غيره لظاهرة التشدد الديني ومن هنا يبرز ذلك العدد المرتفع للشبان الذين يميلون إلى التطرف مستغلين الدين الإسلامي. وأغلبهم، أي حوالي 80 بالمئة، تطرفوا عن طريق الشبكة العنكبوتية. بمعنى من خلال مواقع وفيديوهات دعاية ودجالين يدّعُون المعرفة الفقهية قد مارسوا عليهم الـتأثير وغسل الدماغ عن بعد.

موظفو داعش

الجديد: هل ينحدرون من أحياء فقيرة مهمشة كما يقول الإعلام؟

كارولين فوريست: على عكس الصورة التي تقدم دائما على أن الشاب المتطرف بائس وضحية التهميش وعلى أنه فريسة غلاة وطوائف، فليس كل هؤلاء المتشددين قد عانوا من التمييز أو من البطالة أو عاشوا طفولة فظيعة كما نقرأ ونسمع. فبعضهم له وظيفة وعائلة ولكن كلهم ودون شك يرغبون في حياة أكثر إثارة من الحياة التي يعيشون، إما لأنهم غير مستقرين نفسيا أو لأنهم غير راضين على الدوام عن حياتهم. لهؤلاء تقترح داعش السفر والمرتّب دون القيام بعمل حقيقي، إمكانية لمس واستعمال الأسلحة الأوتوماتيكية، الإحساس بالتفوق على الجميع وخاصة التمكن من اغتصاب وامتلاك فتيات كجوارٍ وماكينات جنس. لا يهتم هؤلاء المجرمون بالجانب الروحي وليس ذلك محركهم على الإطلاق. لو كانوا من أصل إيطالي، كان يمكن أيضا أن يلتحقوا بالمافيا التي بنت إمبراطورية الجريمة. وبما أنهم من أصول إسلامية، فإنهم يشعرون أحيانا بعجز في الإغواء والنجاح بسبب هذا الانتساب. وفي نظرهم ستُحوّل داعش دونيّتهم إلى ميزة ولن يعودوا في حاجة إلى أن يكونوا ذوي مواهب ومثابرين أو مُغرين. يكفيهم أن يقولوا بأنهم مسلمون أكثر من الآخرين وأنهم قساة بلا رحمة. وهو أمر في متناول أي شخص تقريبا.



التلاعب بالقاصرات

الجديد: وبالنسبة إلى الفتيات، كيف يتطرفن ويتجندن في صفوف الإرهابيين؟

كارولين فوريست: تشتغل دعاية الأصوليين بشكل مغاير مع الفتيات إذ يلعب مجندو داعش على وتر تعاطفهن الإنساني ورغبتهن في تقديم المساعدة أمام المأساة التي تعيشها سوريا، كما يستغلون بحث المراهقات على فرصة تجربة علاقة حب كبيرة وكثيرا ما يصبح رجلا لم تره المراهقة على الإطلاق صديقا حميما لها على شبكة التواصل الاجتماعي، فيلاطفها ويجعلها تؤمن بالحب الكبير ليوقعها في الفخ ولكي تصبح في واقع الأمر مومسا.

الجديد: ماذا تفعل السلطات الفرنسية أمام هذا التلاعب بعقول القاصرات؟

كارولين فوريست: لا نظام ديمقراطيا يمكن أن يزعم بأن له حلا سحريا لتفادي هذه التقنية التي تضلل الفتيات إذ هذا الشكل من التلاعب يمارسه المتاجرون بأجساد الفتيات منذ عصور. ولكن النظام الجمهوري العلماني يسمح لنا بالسيطرة على التطرف الديني غير الإجرامي كما تسمح لنا العلمانية أن نكون أرض لجوء لكل الذين يرفضون العيش تحت نير القوانين الدينية الخانقة للحريات. كما حدث لكثير من الجزائريين الذين فروا سنوات التسعينات تحت تهديد الإسلاميين أو الإيرانيين الذين هربوا من الدكتاتورية. ولكن الأسوأ هو أن نتخيل أنهم يمكن أن يموتوا جراء عنف آت من جنون أفراد كان لهم الحظ في أن يولدوا في بلد علماني. ولكن تبقى هذه الانحرافات قليلة جدا: بعض مئات من المجانين بين مليونين إلى ثلاثة ملايين مسلم من أصل إسلامي يعيشون بسلام في فرنسا ويحترمون علمانيتها.

الإسلام والتعصب

الجديد: يرى الباحث في الحركات الإسلامية، أوليفييه روا، أن الشبان المتعصبين في فرنسا وأوروبا هم عدميون جدد، ما رأيك؟

كارولين فوريست: من ناحية نعم، ولكنهم أقل تطورا، كان العدميون أكثر ثقافة. فلئن كانت للرؤوس المفكرة الأصولية أيديولوجيا، فأغلبية هؤلاء الشبان هم مستخدمون كأجساد تتلقى الضربات أو لتقوم باعتداءات وترتكب جرائم. وأغلبهم ليس له أدنى اطّلاع ولم يقرأ سوى بعض فتاوى على شبكة الإنترنت. وهم مضطرون قبل ارتكاب الجرائم الإرهابية إلى مشاهدة الفيديوهات ليجمعوا بعض شجاعة أو يتناولون المخدرات. كل هذا من أجل وَهْمِ الحصول على حياة جنسية في الجنة.

الجديد: كيف تَردّين على بعض المحللين الذين يرون أن الإسلاموية هي بنت شرعية للإسلام؟

كارولين فوريست: من العبث أن نخلط بين الإسلام كدين وهذا المرض، وكذلك من العبث أيضا نفي وجود أدني علاقة بين الدين والتعصب. أكيد مثلا أن كارل ماركس ليس مسؤولا عن الجرائم الذي ارتكبها ستالين ولكن من يستطيع القول بأن ستالين لم يكن شيوعيا ولم يتصرف باسم الشيوعية؟ وبما أن هناك مسيحيين ومسلمين ويهودا يعيشون إيمانهم بطريقة مسالمة هادئة ومحترمة للآخر، فيمكن إذن أن تُفهم تلك الديانات بهذا المعنى وفي بعض الأحيان رغم نصوصها الأصلية. ولكن من البديهي أن تبذل جهود تأويلية كبيرة مرفقة بكثير من البعد الإنساني كي يتم تجنب ذلك التفكير الذي يعتبر نفسه أعلى وأصدق من غيره. فمن يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يمكن أن يصبح مضطهدا للآخر. ومن هذا المنظور، تبقى كل ديانة مهددة بإنجاب التطرف إذ تقديس فكرة، هو جعلها غير قابلة للنقاش، وبالتالي غير متوافقة مع مبدأ العيش مع الآخرين الذين يفكّرون بشكل مخالف وهو أمر مناقض للديمقراطية.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر

قارة مختلطة

الجديد: لقد ولّى زمن الاندماج، حسب بعض المحللين، وآن الأوان للاعتراف بالتعددية الثقافية في فرنسا. ما هو موقفك من هذا الطرح؟

كارولين فوريست: لا ينبغي الخلط بين التعددية الثقافية كمذهب والذي يعني تطبيق القانون بشكل مخالف حسب أصل وثقافة وديانة الشخص والتعدد الثقافي الذي هو أمر واقع: أوروبا قارة مختلطة يعيش على أرضها مواطنون من أصول وديانات مختلفة جدا وفي أغلب الأحيان بشكل منسجم للغاية وخاصة إذا ما نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها الأقليات في مناطق أخرى من العالم. لقد كانت العنصرية ما بعد الكولونيالية في طريقها إلى الزوال تقريبا بين الأجيال الجديدة الأوروبية حينما بدأ الإرهاب باسم الإسلام يضرب في أوروبا وأميركا. أمام هذا العنف ومواجهة الإرهاب، علاوة على مصاعب الأزمة الاقتصادية بدأت رغبة الانكفاء على الذات تتصاعد في أوروبا ومحاولة غلق الحدود، كأنه من السهولة العودة إلى الوراء والتشبث بثقافة واحدة. الأحادية الثقافية أمر مستحيل في أوروبا. نحن علمانيون وبالتالي فنحن متفتحون على كل الثقافات.

هدية سماوية

الجديد: يذهب بعض المعلقين إلى القول إن التطرف الإسلاموي في فرنسا وأوروبا بشكل عام هو بمثابة هدية نزلت من السماء بين أيدي اليمين المتطرف وأن هذا الأخير قادر على الوصول إلى الحكم مستخدما التهديد الإسلاموي.

كارولين فوريست: هو خطر جدي فعلا. صورة المؤمنين المسلمين وهم يغلقون الشوارع من أجل الصلاة وصورة رئيس شركة أعطى فرصة عمل لمسلم فقطع هذا الأخير رأسه بعد أسابيع، قتل صحفيين بجريدة شارلي إيبدو نددوا بالعنصرية والتطرف عن طريق الهزل.. كل تلك الجرائم كان هدفها إرعاب الناس. وأكيد حينما نخاف نرتمي بين أحضان الذي يصرخ أكثر وبشكل مستمر ضد من يعتدي علينا.

في كل اعتداء أصولي تزداد أسهم الدكتاتورية قيمة، في فرنسا يمكن أن يكون حزب الجبهة الوطنية وجها للدكتاتورية ويعرف الجهاديون ذلك جيدا ولا يكترثون للأمر، بالعكس هم يفضلون أن يكون لهم عدو منفّر وبغيض ليجندوا أكثر عددا من بين الشبان المسلمين. ومشروع الجهاديين ليس الثأر لضحايا العنصرية وإنما هو من أجل تجنيد رافضي العنصرية لاستخدامهم في محاولة توسيع دولة الخلافة في كل من العراق وسوريا. وهو مشروع استعماري سيفشل كما فشلت كل المشاريع الاستعمارية الأخرى.

*ينشر الحوار بالتعاون مع مجلة "الجديد" الشهرية الثقافية اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق