الجمعة، 21 أكتوبر 2016

اليسوع قلب البلديات ومخاطر العلمانية ذات الملامح المتقلّبة

العلمانية ذات الملامح المتقلبة تحمل دائما في طيّها إشارات سيئة. كيف يمكننا الاقناع بضرورة ازالت الحجاب داخل الأقسام إذا قبلنا بتواجد تماثيل اليسوع داخل قاعة البلديات؟




في بادئ الامر هناك لُبس علينا رفعه فورا. قد نكونوا علمانيين ونستمتع في نفس الوقت برؤية حضانات عيد ميلاد اليسوع. خصوصا عندما نكون قد ترعرعنا في البروفانس (مدن أخرى غير باريس)، وهذا هو حالي. لدي ذكريات جميلة جدا عن هذه الأوقات التي كنا نقوم فيها بنزهات في الغابة لالتقاط رغوة الربيع، وشراء التماثيل في السوق (حيث كان الملوك الثلاث هم المفضلين لدي)، ثم نقوم بتنضيد قرية صغيرة، مثل المسرح على رف الموقد. لقد كانت لحظات سحرية.
كما لا تحظُرمقتضيات قانون 1905 أيّ عائلة من الاستمتاع بسحر عيد ميلاد اليسوع، أكان ذلك في منزلها أو في السوق. غير ان السؤال المطروح هو ما إذا كان على الأموال العامة تمويل حفل تقليد ولادة اليسوع، في بيوتنا المشتركة المتمثلة في البلديات أو مجالس المقاطعات؟ الجواب بالطبع هو لا.

مقتضيات قانون 1905
حتى في الولايات المتحدة، تعتبر هذه الممارسة في تنافا مع "الجدار الفاصل". أمّا في فرنسا، فمقتضيات قانون 1905 وخاصة مادته 28 واضحة جدا: "لا يجوز لأي شخص، في المستقبل، رفع أو وضع أي علامة دينية أو شعار ديني على المعالم العمومية".

فمن اجل الدفاع عن هذا الفصل وعن العلمانية المشتركة، قام صاحب "الفكر الحر" بتقديم دعوى ضد عدد من رؤساء البلديات والمجالس لانتهاكهم مضامين هذا القانون. لقد حكمت المحكمة الإدارية لصالحه ضد مجلس فاندي. هذا المجلس الذي اختار لسنوات عرض داخل بهوه اثنين من التماثيل العملاقة للمسيح ولمريم ...على حساب المال العام.

صفعة أهدانا إيّاها فيليب دو فيلييه ضربا في مبدئ الفصل بين الدين والسلطة، انه السفير المثالي لهذا العمل الكهنوتي والمعادي للعلمانية، غير انه كان الهدف منه بالطبع شن حرب ضد الإسلام. ما زال متعنِّتا في عدم قبول قانون البشر، فقد كيّف الفيكونت عمل التذكير بقانون الجمهورية ب"الشمولية".

اما رئيس بلدية بيزييه، روبير مينار، فقد دعا صراحة ب"العصيان المدني" وانشأ حضانة للمسيح في بلديته.

تبدوا الامور في كلتا الحالتين واضحة على الأقل. فعن طريق خرق مقتضيات قانون 1905 ينكشف اليمين المتطرف واليمين الكهنوتي باتهام الجمهورية بديكتاتورية معادية للمسيحية بينما هي (الجمهورية) تبادر الى فرض مبدأ فصل الدين عن السلطة. انّ الاعتناق المتأخر من قبل اليمين المتطرف واليمين الكهنوتي للعلمانية ليس سوى حيلة وقناعة تستهدف الإسلام دون غيره من الديانات. وهذا الامر خدعة مُتقنة.

غير ان مواطنين آخرين وعن حسن قصد، لا يرون أين تكمن المشكلة. هؤلاء عليهم رفع أعينهم عن التماثيل حتى يروا أبعد من ذلك. فما يهدد توازن فصل الدين عن السلطة هو فسح المجال لرقصة التوافقات. إذا أقدمنا على قبول استثناءات تواجد تماثيل الصغيرة لليسوع داخل البلديات، فما الذي يمنع من القيام بالمثل مع الآخرين؟

دوامة التوافقات
ان تقديم تنازلات للعادة اللطيفة لتمثيل حضانات ميلاد المسيح قد يضع فرنسا في مأزق دوامة المطالبات والخصومات المجتمعية التي لا نهاية لها. فالملامح المتقلبة (او الهندسة المتغيرة) للعلمانية تحمل دائما في طيها اشارات سيئة. كيف يمكننا اقناع ازالت الحجاب داخل الاقسام إذا قبلنا بتواجد تمثال اليسوع داخل قاعات البلديات؟

ليست الطرق متعددة في مجال المساواة بين الأديان. فإمّا أن نتأكد من عدم تفضيل دين على آخر عن طريق فصل الدين عن السلطة واما الاعتراف بجميع الديانات، وبالتالي الخوض في سباق الاستثناءات. فما نحتاج إليه هو قاعدة واضحة ومناسبة للجميع.

المطلوب هو رؤية واضحة لمجلس الدولة
في فاندي، فاز الفكر الحر. ولكن في ميلون، انهزم ضد حضانة أخرى داخل بلدية. ان قرارات المحاكم تختلف من مدينة ومن محكمة إلى أخرى، لذلك وجب علينا اللجوء إلى مجلس الدولة لتوضيح الرؤية.

واعتبرت المقررة العامة، أوريلي برتونو، أن المادة 28 من القانون 1905 "لا تمنع من تثبيت حضانات اليسوع داخل الملك العمومي" ما لم تثبت "نية دينية" وراء هذا الفعل. فهو بالتالي قرار "مشروطة" غير انه يفتقر إلى الدقة. إذا كان الهدف منه يقتصر فقط على منع "التبشير"، كما اوضحت المقررة، فسوف يعتبر بعض رؤساء البلديات ضمنيا أن تمثيل رضيع في حضانة هو امر لا يمت "التبشير" بصلة.

في الواقع، فإن مجرد وجود علامات أو أحرف مرتبطة بالدين امر ينبغي أن يتم حظره بشكل أكثر وضوحا. الحل الذي أقترحه في عبقرية العلمانية يذهب في هذا الاتجاه. فهي تحترم في نفس الوقت التقاليد ومقتضيات المادة 28 من قانون 1905: نعم للحضانات الثقافية داخل المباني العامة، ولكن خالية من الرموز الدينية.

دور الحضانة العلمانية
يمكن توجيع ابداعنا نحو خلق حضانات تصور قرية بروفنسال دون اليسوع أو الملوك الثلاثة، أو يوسف أو مريم. فهناك العديد من الشخصيات أخرى بين التماثيل. بعضها يحكي عن الحِرف القديمة لهذه المدن: طحان الزرع، حفار أبيار ... هذه الحضانات تتحدث عن ثروات جهاتنا وعن ثقافتنا، وكل ما يجمعنا وليس ما يفرقنا. فقد يكون لهذه الحضانات الثقافية وغير الطائفية، مكان داخل المباني العامة.

كمثل التّنّوب أو شجرة عيد الميلاد، هذا الرمز الوثني الجميل الذي اقتبسه المسيحيون، وتجاوز الحدود الدينية. انّ "شجرة الحياة" كعطلات موسم نهاية السنة هو رمزالانتقال إلى فصل الشتاء. الرغبة في افراغ الفضاء العام من التّنّوب أو سانتون (تمثال اليسوع)، خوفا من الإساءة إلى "ديانات أخرى" قد يكون داخلا في إطار التلاقح التقافي (التثاقف). أماّ عرض المسيح داخل قاعات بلدتنا ينمّ عن خلفية قديمة تُلوح بتفوُّق وطغيان الهُوّية.

فلم يستطع احدا حتى الآن اختيار، داخل إطار هذين التوجهين، مسارا أنسب من مسار فصل الدّين عن السلطة. لأنها تخوّل لنا فرز الزرع السمين للثقافة من غثّ الهيمنة.

كارولين فوريست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق