الأحد، 20 مارس 2016

الاعتداء الجنسي على الأطفال، الكنيسة، ونحن



وفقا لعملية الاستطلاع الذي قامت بها أودوكسا  باريزيان، 56٪ من الفرنسيين لديهم صورة سيئة عن الكنيسة. 63٪ يعتقدون أن على الكاردينال فيليب بارباران أن يستقيل. وما يقرب 80٪،  وهم أكثر عددا، يعتقدون أنه يجب اعادة اصلاح الكنيسة في ما يخص موقفها اتجاه  حبوب منع الحمل والواقي الذكري أو زواج القساوسة.

وهذه المرة، أصبح هذا الرقم في ارتفاع حتى عند المتدينين الممارسين. ولكن يبقى هذا استطلاع على الانترنت فقط، وهو اشارة من بين الاشارات التي تبرهن على أن العلمنة لدينا مازالت تقاوم بشكل جيد في ظل هذه الاجواء التي نعيشها. أو تقريبا...

من خلال مراقبة بعض ردود الأفعال، نرى أن بعض المحافظين – الذين هم على استعداد للتّلويح بالعلمانية المتشددة في كل مناسبة –يبدون أكثر حساسية عندما يتعلق الأمر بالإشارة إلى أن الكنيسة الكاثوليكية ليست فوق القانون أو القيم المبدئية. حتى في بعض الأحيان، تساءلنا عما إذا كان يعلن بصراحة عودة اليمين المتديِّن، وليس الحزب الجمهوري. تحت تأثير "تي بارتي "
"Tea party"  لمنيف للجميع... وتبدو هذه الشبكات مُحرجة جدا في تناول مثل هذه القضايا.

أولئك الذين يرفضون للآخرين بنائهم لأسرة، بحُجّة حماية الذين لم يولدوا بعد، فهم يواجهون اليوم استنتاجا قاسيا لأحكامهم المسبقة. هو انه ليس داخل الأسر من نفس الجنس حيث الأطفال أكثر عرضة لانتهاك أعراضهم ولكن داخل الأسر من جنسين مختلفين أوالكنائس أوالمدرسة.
الفقر وانعدام العلمنة
عندما ننظر إلى خريطة فضائح الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل القساوسة، نرى أن الكنائس ليست جميعها متساوية أمام هذا الخطر.

فعمليات الاغتصاب هي أكثر عددا بكثير في البلدان التي يكون فيها القساوسة مقدسين كشبه آلهة، كما هو الحال في المكسيك أو أيرلندا، خلافا للبلدان التي يعتبر فيها القس رجل عادي، كما هو الحال في فرنسا.

لكن الخطر يتزايد وخصوصا عندما يكون القساوسة مسؤولين عن الأطفال المعزولين في مدارس داخلية ومن أسر فقيرة.

إذا أخذنا حالة فيلق المسيح الذي أسسه مارسيال ماسيل، نجد أن 
هذه الظاهرة اندلعت أساسا في المكسيك أو أيرلندا، على أطفال فقراء وُضعوا في عُهدته. فالقساوسة المُفضلين الذين سبق للمؤسس ان هتك عرضهم، يُرسلون على رأس هذه الأبرشيات المهمة، حيث يستنسخون التجارب التي عاشونها ويعاودون الكرة مع غيرهم ... وبسهولة أكثر، لأنه على قدرما يشعر أولياء أمور الأطفال مدينين لهم على قدر ما يخافون تقديم شكوى ضد الكنيسة.

وربما فترة الإفلات من العقاب لن تدوم طويلا في بلدان أخرى حيث نفس الشبكات تسيِّر مراكز لصبية الأسر الاثرياء.

50 عاما من صمت التواطؤ
ما زال فيلق المسيح يقيم مراسيمه، ولكن تم وضع مؤسسه جانبا من قبل الكنيسة. فبعد 50 عاما من الصمت ومئات من حالات الاغتصاب التي أحيانا تم الابلاغ عنها للفاتيكان، بما في ذلك اليسوعيين، وحتى ذلك الحين، أغمضت روما عينيها. الا أن مارسيال ماسيل لم يحال على التقاعد الا في نهاية حياته. وانتظر بنديكتوس السادس عشرأن يصبح بابا، ليقبل الاستماع الى الشكاوى التي طُلب منه أن تترك في الدرج عندما كان محافظا لمجمع عقيدة الإيمان.

بل أيضا وتحت ضغط الرأي العام اضطرت الكنيسة قيادة عملية "حقيقة"  في الولايات المتحدة. وبعد تحقيق داخلي، قدَّرت عدد الأطفال المغتصبين بأكثر من 16700 ، فوق الأراضي الأميركية وحدها، بين عامي 1950 و 2013. أما جمعيات الضحايا، فهم يتحدثون عما يقرب من 100000 طفل تم هتك عرضهم، والغالبية لا يريدون أو لا يستطيعون التكلم.

ويرجع حجم هذه الظاهرة الى تقنية "الدورية". عندما يتُّهم قس بالاغتصاب، يقومون بتنقيله من كنيسة الى أخرى،  حيث يعاود الكرة الى ان يرتكب العشرات من حالات الاغتصاب حوله. إذا كنت تريد مشاهدة فيلم في هذا الموضوع، غير فيلم "سبوتلايت"، فعليك مشاهدة الفيلم الوثائقي لإيمي بيرغ: "أنجنا من الشّر" عن الأب أغردي والتواطؤ الذي استفاد منه من قبل إحدى رؤسائه، الذي لم ير الصلة بين شكاوى الفتيات (التي لم تصدمه كثيرا) و شكاوى الفتيان (ما اعتبره مثلية، وأكثر صدمة في نظره) ...

ردود مرتبكة جدا من الكنيسة
وأخيرا، نخرج من الصمت ومن الإفلات من العقاب. ولكن هل تتخذ الكنيسة التدابير الفعالة حقا لمنع اغتصاب الأطفال داخل جدرانها؟

من المهم استخدام كلمة "اغتصاب". هو شر ليست الكنيسة الكاثوليكية مستعدة لمواجهته وحتى مذهولة هيكليا من جهته. ذلك بسبب تشويه صورة الجنس، والخلط في كل شيء. بما في ذلك المثلية والاعتداء الجنسي على الأطفال.

فحاولت الكنيسة، بارتباك كبير الى حد الآن، وضع مبادئ توجيهية ووقائية لمنع من الاغتصاب المتحرشين بالأطفال. تحت بنديكتوس السادس عشر، لم تسمح هذه التعليمات  التستر عن الحيوانات المفترسة، وهو تقدم كبير. من حيث الكشف، طلبوا الإبلاغ عن أي نزعة مثلي جنسيا بين الإكليريكيين الشباب ... كما لو أن مثلي الجنس أو متباين الجنس له علاقة مع حقيقة اغتصاب الفتيات الصغيرات أو الصبية الصغار.

لا يعكس هذا فقط ارتباك الأحكام المسبقة الرهيبة. انما ينِمُّ عن الفوضى المقلقة حول ما إذا كانت الكنيسة قادرة على مواجهة الشر الذي ينخر ذاتها. فهذا الامر معقد ومركب بسبب المحرمات، و"الطفالة الجنسية" للقساوسة والوضع المقدس للكبار والذي يجذب الحيوانات المفترسة، ويُسهل اقترافهم عملية الاغتصاب، وترهيب ضحاياهم.

فيجب على الكنيسة التفكير في هذا الكوكتيل المسموم. بدلا من الاعتقاد أنه بإمكانها محاربة ضعفها بالأحكام المسبقة.


كارولين فوريست
تاريخ النشر: 20/03/2016

الاثنين، 14 مارس 2016

أزمة الأزبال في لبنان ومخاطر التلوث التي يتعرض اليها البحر الأبيض المتوسط

 
البحرالابيض المتوسط ليس قمامة
أوقفت مظاهرة جديدة شوارع بيروت بمبادرة من التجمع "أنت نَتِن،" الذي يحتَجّ لمدة شهور ضد تراكم القمامة. هناك ما يُغضب من هذه " الجمهورية القمامة "، الاسم الذي أطلقته عليها صحيفة لوريان لو جور.
 
استمرت الأزمة عامين. تم استعجالها في يوليو الأخير. عندما أغلقت الحكومة موقع معالجة النفايات الذي بسبب الافراط في استغلاله أصبح خطرا، كما لم يتم تجديد عقد شراكة لشركة في حالة شبه احتكار لجمع ومعالجة النفايات.
 
افتتح مطرح لرمي النفيات في عام 1997، في أحضان سهل أخضر جميل في جنوب بيروت، وكان الهدف من خلقه استقبال 2 مليون طن من الازبال. وكانت تقوم بمعالجة 15 مليون طن حتى أن تم اقفاله. فقد اشتكت الساكنة من الهواء الغير القابل للتنفس والامراض والتسربات الغازية المسببة للسرطان. فربما اضطروا اقفال هذا الموقع.
 
كما كان عليهم مواجهة احتكار شركة سوكلين، التي يحكى عنها انها مقربة من عائلة الحريري، والتي تقوم بمعالجة النفايات العاصمة بثمن وزنه ذهب. إحدى أغلى المطارح المخصصة لمعالجة النفايات في العالم. في غياب تام للشفافية. كان ذلك لابد منه. لكن ليس من دون خطة بديلة ولا رؤية واضحة للخروج من الأزمة التي، كما هو الحال في إيطاليا في السنوات القليلة الماضية، اتخذت منحى سياسي إلى حد بعيد.
 
المافيا والازبال
 
أزمة الأزبال تلك ليست بسيطة. لا في لبنان ولا في أوروبا. وفقا لروبرتو سافيانو، أصبحت عائلات كامورا رائدة في إعادة معالجة النفايات في أوروبا منذ أواخر التسعينات. وسوق الازبال أصبح ينافس منذ ذلك الحين الكوكايين.
 
ولكن من المعلوم ان المافيات نادرا ما يقومون بالاحترام الدقيق للقانون. يسهل علينا تصور ما يستطيعون القيام به لدفن النفايات السامة خاصة ما إذا قامت بعض الدول بطرح الفكرة العجيبة وطلبت ذلك منهم، أو العكس من ذلك، إذا ما ابدت تلك الدول موقفها الصارم وتفاوضت على الأسعار معهم. هل هي أحد أسباب الأزمة في لبنان؟ هل فصيلة من الفصائل السياسة أرادت أن تجف مصدر دخل لفصيلة أخرى؟
ما هو مؤكد هو أنه لم يفكر أحد في خطة بديلة.
 
حرب الفصائل السياسية
 
فشل الائتلاف الحكومي في الاتفاق على اسم رئيس ما. ففي غيابه، يفترض أن حكومة رئيس الوزراء تمام سلام تمارس جميع السلط. في الواقع، هو رئيس حكومة لوحدة وطنية عاجزة كليا بسبب فصائلها، مقسمة بالتساوي الى حد ما بين وزراء حزب الله الشيعي والوزراء السنيين لجماعة الحريري، المقربة من المملكة العربية السعودية، والوزراء المقربين من الزعيم الدرزي الذي يعتبر نفسه محاذيا، وليد جنبلاط. هذه ليست حكومة، بل هي لعبة البوزول لمُجَمَّع سياسي. مجمع يحظر أي مسار سياسي، بما في ذلك حتما ربما كل ما يتعلق بالأزبال.
 
خطة طارئة في وقت متأخر جدا
 
رغم مرور أكثر من سنة من العجز التام، صرحت الحكومة في النهاية انها أخيراً أصبحت تتوفر على خطة للتغلب على الأزمة. لقد حان الوقت. الا ان الفكرة ليست هائلة. ففي المدى القصير، تقترح مؤقتا إعادة فتح مطرح للنفايات المغلق في يوليو وإضافة مطرحين جديدين. مطارح قوبلوا بالرفض من قبل الساكنة المعنية بطبيعة الحال. وتقترح الحكومة أيضا أن البلديات اللواتي يرغبن في علاج نفاياتها بنفسها تستطيع أن تفعل ذلك. أما بالنسبة لعقود شركات سوكلين وشركة أخرى سوكومي، سيستكملون اشغالهم الى نهاية مدة التعاقد.
 
فهي خطة لحالة الطوارئ، ولكنها جاءت متأخرة جدا، خصوصا دون بديل حقيقي مستدام ووطني.
 
وفي نفس الوقت، بات مطرح تفريغ النفايات الذي هو بيروت وضواحيها، يهدد صحة اللبنانيين.
 
لا نعرف حتى الآن بالضبط ما هي تكلفة الأمراض التي سببتها أزمة الازبال في نابولي. ونحن نعلم أن العديد من المنتوجات المحلية، مثل بعض الماركات من جبن موزاريلا، فاسدة بسبب الديوكسين الملوثة للتربة. كل هذا مثير للقلق بالنسبة للإنتاج الزراعي في ضواحي بيروت.
 
كنزنا المشترك في خطر
 
بغض النظر عن الفواكه والخضروات، فأزمة النفايات اللبنانية قد عقدت الأزمة البيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط. لأن النفايات التي تتراكم يمكن تصريفها في البحر وتصل إلى شواطئنا، ملوثة بالفعل مثلما وقع في خليج المحميات الوطنية.
 
الصندوق العالمي للطبيعة، الذي أطلق مشروع مخصص لحماية الأنظمة الإيكولوجية للبحر الأبيض المتوسط، يدق ناقوس الخطر منذ عدة أشهر. حيث الكثافة السكانية وانفجار الأنشطة الصناعية تستنزف وتلوث منطقة الحوض كلها. فالمخطط الحقيقي للحماية يتطلب عليه التوفيق بين جميع الفاعلين، من الشركات الصناعية والفاعلين العموميين والجمعيات، لحماية البحر الأبيض المتوسط.
 
فقد أصبح هذا البحر المشترك يعكس كل إخفاقاتنا. كما قد يكون أيضا بريق ومصدر كل ما يربطنا بما هو أساسي وجوهري. كالطبيعة والجمال والصحة والحياة.
 
 
كارولين فوريست
 


الثلاثاء، 8 مارس 2016

حرب اليسار

هناك أجيال عرفت كتلة اليسار، وأخرى تعرفت على كارتيل لليسار. جيلنا سوف يتعرف على يسار العصابات وربما على اليسار الممزق. دعونا لا نكون شديد القسوة. فاليسار دائما منقسم. والعديد من الانشقاقات في عصرنا تشبه تلك التي عرفتها الجمهورية الثالثة. علينا أن نتذكر الاشتباكات بين المعتدلين الجمهوريين، والمتطرفين والاشتراكيين المتطرفين والبلانكيين. فل نتذكر الإرهابيين الفوضويين، الذي كانوا يضعون هم بدورهم القنابل في المقاهي. فكان فبعض اليساريين يجدون لهم الأعذار ويشيدون بأعمالهم. كما قام المعتدلين الجمهوريين بالتصويت لصالح بعض القوانين باسم الأمن. وحارب جزء كبير من اليسار الاشتراكي تلك القوانين المسمات ب"المارقة". وهذا تقريبا ما يحدث لنا منذ 7 يناير، وكذلك منذ 13 نوفمبر، ولكن ليس هذا كل الامر.

يساريان اثنين لا يمكن التوفيق بينها؟
مانويل فالس، الذي لا يخفي اقتباسه من كليمنصو، تحدّث عن يسارين لا يمكن التوفيق بينها. انه على حق فيما يخص قضية الإرهاب والإسلاموية. فالطلاق قائم بين اليسار الذي يريد إسكات كامل داود واليسار الذي يريد أن يتحدث عن كل شيء. وبين اليسار النسبي الذي عِوَض ان يبحث عن تفسيرات لما يقع، لا يزال يبحث عن الأعذار الاجتماعية وما بعد الاستعمار، للأصولية والإرهاب. واليسار الجمهوري والعلماني الذي، بالدفاع عن حقوق المرأة والعلمانية، وينزع في نفس الوقت فتيل الدعاية العنصرية والجهادية. ليس اننا لا نستطيع قراءة تشارلي وميديا بارت على حد سواء. ولا حتى أن نكون في وقت واحد ضد الأصولية وضد الحرمان من الجنسية. نستطيع. لكن في الأساس، هذين اليسارين ولأسباب وجيهة، لا يمكن التوفيق بينها. غير ان هذه المواضيع لا تشكل الا بعض خطوط الانشقاق الكبرى، التي تغذي حاليا حرب اليسار ...

هُم خمسة كتل على الاقل
لا يتجزأ اليسار إلى معسكرين فقط بل الى خمسة على الأقل إذا أخذنا بعين الاعتبار القضايا الاقتصادية و تلك المتعلقة بالتموقع الدولي. لن نتحدث عن حرب حب الذات، سنتطرق فقط للجوهر. فنحن لا نرى كيفية التوفيق بين اليسار المؤيد للمرونة أولا، واليسار المؤازر لضمان الشغل أولا. كيف التوفيق بين يسار بوتين أولا واليسار قطر أولا. ولا حتى اليساريين الذين ينتميان لتيار اليسار عموما، ويرفضون التحالف مع أي من هذه المحاور. إضافة الى ذلك نجد، في يسار الوسط فوارق حقيقية بين يسار فالس (جمهوري علماني ومناصر للمرونة الأمنية) ويسار ماكرون (ليبرالي في كل شيء).
هل علينا ترقيع كل هذا العوالم الصغير؟ كيف، وهل هناك من يريد ذلك؟ قليل من السياسيين يعتبرون ذلك في صالحهم. لأنهم ليس لديهم نفس المصالح. بدءا من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
مصلحة فرانسوا هولاند تكمن في توحيد اليسار وراء ما تبقى من ترشيحه. وعلى مانويل فالس تقديم التوضيحات الازمة داخل الحزب في محاولة لتكوين يسار آخر قصد تهيئة الموعد الموالي. وهذا أيضا ما يسمم نهاية الولية هذه.

تجزئة قانون العمل
كل شيء يصبح نوويّا مع قانون الشغل. هذا هو الإصلاح الذي يقوده اثنان من رؤساء السلطة التنفيذية اللذان لا يتقاسمان نفس المصالح في نهاية الولاية، ومن قِبل رئيس لم يُنتخب على اساس برنامج اجتماعي ليبرالي. وهذا يعني أن قانون العمل كان يتوفر على كل الشروط لتفجير وبطريقة لعبة "البوزول"، قوات اليسار.

يمكن للمرء أن يتصور طريقة للخروج من الازمة. قد يكون توافق بين طرفين. أولئك الذين يريدون تقديس قانون العمل لجعله ذا طابع ايديولوجي، عليهم ان يتقبلوا التعامل بشيء من المرونة في هذا الملف لتشجيع التوظيف عن طريق العقود الدائمة. وأولئك الذين يريدون المرونة بأي ثمن، لا ينبغي عليهم إشراك المستأجرين في اختلال ميزان القوى الدائم داخل الشركات التي يعملون بها، في بلد لا توجد فيه سلطة نقابية قوية مضادة مثلما هي حاضرة في ألمانيا.
هذا الحل يتطلب بعض النضج. يريد رئيس الوزراء لعب لعبة الحزم، فلا بد عليه الآن ان يتراجع. وان حدث ذلك، هل سيتراجع عن موقفهم أولئك الذين يقولون دائما أحمر عندما يقول هو أصفر أو أخضر أو وردي؟ ليس هناك ما هو ثابت. ولكن دون هذا الحل، ستخرج اليسار من هذا النقاش مجزئة الى قطع صغيرة. مع احتمالات ضئيلة للنجاح. لأنه على أي أساس سوف تعيد تركيبتها من جديد؟

اليسار الاجتماعي والعلماني
يبدو الأمر كما لو طلب منا أن نختار بين يسار علماني تخلى عما هو اجتماعي ويسار اجتماعي تخلى عما هو علماني. إذا علينا ان نختار الإختيار الصحيح، خصوصا بعد الهجوم الذي تعرضنا اليه، فاليسار العلماني والمناهض للاستبداد، بالطبع هو الذي سوف يفوز. ولكن كيف التأكد من أنه لن يستغلّ ميزته المعنوية للإساءة للحريات وقانون العمل؟

بين اليسار الليبرالي الاجتماعي واليسار القديم، نفتقر إلى جيل من الاشتراكيين الراديكاليين وربما شخص كليمنصو مقرون بشخص جوريس. أي يسار علماني واجتماعي، والذي بدونه سيشعر العديد من التقدميين باليتم و العزلة.
 08 مارس 2016

الخميس، 3 مارس 2016

العلمانية، اليمين المتطرف، والحجاب، والحلال ... كارولين فوريست تكشف عن أفكارها (الجزء 2/2)

3 مارس 2016 فريدريك جيلدوف



الجزء الثاني من المقابلة مع كارولين فوريست. أردنا أن نتحدث معها، عن العلمانية، خاصة عندما عرف مرصد العلمانية انتقادات حادة على نطاق واسع. ما هو مفهومها للعلمانية؟ ما هو موقفها اتجاه الحجاب أو الحلال في المقاصف؟
 
أنفو حلال: كارولين فوريست، ما هو الآن تعريفك للعلمانية؟ وما هي أوجه الاختلاف في تعريفك لها بينك وبين تصور "امرصد للعلمانية" أو "جَمعية التعايش"، والتي تبادَلْت معها نقاشا متوترا عبر المنتديات؟
 
كارولين فوريست: ليس لدينا خلافا مع المرصد في يخص تفسير نصوص القانون الذي صدر في 1905. لقد دافعنا على نفس التَوجُّه أمام أولئك الذين يريدون فرض حظر الرحلات المدرسية على الأمهات المحجبات (انظر هنا). وفي نفس الوقت فإننا نختلف تماما فيما يخص دور مرصد العلمانية. لا أعتقد أن دورها هو دعم الأشخاص أو المنظمات التي تحرض على الكراهية اتجاه العلمانيين وتعرض حياتهم الى الخطر بوصفهم "بالإسلاموفوب ".
 
انفو حلال: لقد شاركت في التوقيع على المقال التالي - "ضد الظلامية الجديد" في مجلة ليبيراسيون - والذي جاء فيه ان وسائل الإعلام "غالبا ما تفضل إعطاء الكلمة للفتيات المحجبات وللملتحين". ولكن في نفس الوقت عندما نتكلم عن الإسلام، وعلى عكس ما تدعون، لدينا ضيوف من قبيل الشلكومي أو السيفاوي الذين يتوافدون باستمرار على مسارح التلفزة ...
 
كارولين فوريست: هذا المقال يعود تاريخه الى عشر سنوات مضت ... في ذلك الوقت، لم نكن نرى سِوى طارق رمضان على شاشة التلفزيون. كان يدعى بصفته ممثلا للإسلام الحداثي الأوروبي في حين أنه يحتقر الحداثيين ويدافع على الإسلام الأصولي والمتطرف. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف العديد من الأصوات الأخرى، مختلفة تماما وأكثر تنوعا وفوق كل شيء صادقة. ففي دولة ديمقراطية، أجد أنه من الطبيعي أن يتم تغطية المكثفة لحوارات المسلمين العلمانيين المهددين بالقتل وللصحفيين الذين اشتغلوا أكثر من عشرين عاما على موضوع الجهاد، على ان يتم تغطية حوارات لاسلامويين مشكوك في امرهم يساندون أطروحات تآمرية . خاصة عندما يستوجب الامر التعليق على أخبار تُبث عن الهجمات والتهديدات ... وهذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نستدعي الأصوليين في إطار الحوار النقدي والبناء، ولكن على الصحفيين أن يكدون ويجتهدون أكثر حتى يتمكنون من معرفة وفهم الإسلام والإسلاموية، وتياراتهم المختلفة، وحتى يستوعبوا فكرة تقديم ضيوفهم بوصفهم بالراديكاليين (ان كانوا كذلك) بدلا من تقديمهم كأنهم يجسدوا الأغلبية. فلعل إعطاء الصوت والكلمة للأصوليين، أفضل وسيلة للرفع من نسبة المتتبعين ولكنه في نفس الوقت يساهم ذلك في زيادة العنصرية! يجب علينا ألا ننسى أن في هذا البلد، الخطر الرئيسي ليس هو الإسلام ولكن الجبهة الوطنية. وقد تفوز في الانتخابات. إذا ما وضعتم الإسلامويين في كل مكان على مسارح التلفزيون لتمثيل مسلمي فرنسا، في حين أنهم (أي الاسلامويين) في الواقع أقلية في هذا البلد، فإنكم بذلك تعززون الدعاية العنصرية التي نراها في كل مكان ... أنا أفضل أن اعطي الكلمة لعبد النور بيدار أو لطيفة بن زياتن، وإلى أقصى عدد ممكن من المسلمين العلمانيين الصادقين. قد يكونوا مكروهين من قبل راديكاليين، لكنهم يؤمنون بما يقولون، وهم يغامرون بذلك، ويقدمون الدليل القاطع للعنصريين على اننا ربما قد نكون من ثقافة مسلمة ولكن في نفس الوقت نتحلى بمبادئ المواطنة.
 
أنفو حلال: هذا المقال تم توقيعه مع بيار كاسين، أحد منظمي "ابيرو نقانق بينار" وأحد مؤسسي ريبوست لاييك ...
 
كارولين فوريست: لم يَخِفى عليكم ان بيار كاسين كتب، ليس مقالا واحدا ولكن العشرات من مقالات العنف المفرط ضدي منذ ذلك الحين. فعندما وقعت على المنصة معه، يعود تاريخ هذا الحدث الى أكثر من عشر سنوات مضت، وكان ناشطا في اتحاد العائلات العلمانية. وبدأ ينجرف بضع سنوات بعد ذلك. فترك بالتالي هذا الاتحاد عندما خلق كاسين ريبوست لاييك، وكُنتُ من بين أول من ندَّدت بخطبه المعادية للمسلمين. وأفعل ذلك بانتظام. ما يجعل مِني أحد أهداف هذه المنظمة اليمينية المتطرفة.
 
"فيما يخص العلمانية، يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في تصورنا للضوابط وفيما هو ممنوع"
 
 
أنفو حلال: وللعودة إلى العلمانية، هل يجب وضع اطار ملموس جدا للعلمانية؟ على سبيل المثال، هل حسب رأيك يجب منع أم لا، الاكل الحلال داخل المقصف؟
 
كارولين فوريست: لا يجب وضع المقاصف المدرسية العمومية فوق كرسي الاعتراف. لأن طبيعة هذا الامر يفرض عزل الطفل عن رفاقه، نعثه وتمييزه عنهم. غير ان المدرسة مكان نتعلم فيه الاختلاط. وعلى وجه التحديد، واذا قمنا بتحديد وجبات الغداء حسب ديانة الوالدين، سيتطلب هذا الامر عدة مطابخ، لفصل الأواني عن بعضها البعض ليكون ذلك موافق للشريعة اليهودية أو حلال يتطابق وفرائض الشريعة الاسلامية. ليست هناك بَلدية تتوفر على هذه الامكانيات. ما أقترح، ولسنوات، هو ببساطة إعطاء الاختيار للأطفال لإحضار طعامهم، أو تقديم خدمة ذاتية تُوفِّر الاختيار بين قائمة الوجبات بلحوم وأخرى بدون لحوم. وإذا كان ممكنا توفير إمكانية الاختيار بين عدة أطباق. بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في مراقبة المحرمات الغذائية (دينية أو طبية) يمكنهم إثر ذلك القيام بتحديد اختياراتهم دون الإخلال بنظام المقصف ككل، ودون تمييز أو فصل الاطفال عن أصدقائهم. حتى يتمكنوا من تناول وجبة الطعام معا.
آنفو حلال: جان بوبيرو، المتخصص في علم اجتماع الديانات ومؤسس علم الاجتماع العلمانية، يُأَكِّد أنه فيما يخص العلمانية، ففرنسا تتواجد "في حدود ما هو ممكن تحمله في مجتمع ديمقراطي" هل تعتقدين أننا فعلا وصلنا الى أقصى هذا الحد، وأن النقاش حول العلمانية قد يجعلنا نعبر هذا الحد؟
 
كارولين فوريست: أنا لا أتفق كثيرا مع جان بوديرو، ولكن أعتقد أيضا، وأنا أكتب ذلك منذ سنوات، أننا يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في تصورنا للضوابط أو ما هو ممنوع. لقد ساندت قانون مارس 2004، ولكن اتخذت الموقف الصحيح عندما وقفت الى جانب الأمهات المحجبات في الرحلات المدرسية (حتى وان تعرضت الى مخاصمة بعض العلمانيين) وأنا ضد حظر الحجاب في الجامعات. وهو المكان الذي على عكس المدارس الاعدادية والثانوية يتواجد فيها الطلبة البالغين الذين يتعلمون التعبير الشعبي والسياسي. في كتابي "آخر اليوتوبيا "، وسيكون هذا أيضا موضوع كتابي القادم، أقوم بالتحديد والفصل بين بعض الفضاءات مثل المدارس العمومية حيث العلمانية أمر إِلزامِي يأتي قبل الحرية الدينية وفضاءات مثل الشارع أو الشركات والتي ينبغي فيهم منح امتياز خاص للحريات. يجب أن يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات. وأعتقد أننا بهذا شكل قد نحقق ذلك.
 
 
 
"العنصرية المعادية للمسلمين موجودة. وانا استنكر دائما هذه الاقوال والأفعال المعادية للمسلمين، كالاعتداء الجسدي على النساء المحجبات مثلا. ولكن عندما أقوم باستنكار ذلك، لا أحد يسمع. وعندما أنتقد الأصوليين، يصفونني "بالمعادية للإسلام".
أنفو حلال: أنتِ مع ارتداء الحجاب خارج المدارس العمومية. موقف مدهش بالنسبة لنسوية ...

  

كارولين فوريست: أنا نسوية وديمقراطية. في سنة 2004، ناضلنا من أجل حلّ وسط. لا للرموز الدينية في المدارس العمومية، ولكن لا لحظر الحجاب في الشارع. ولم أقل أي شيء آخر غير ذلك. هل ترى الفرق بين حملات العنف ضدي وواقع مواقفي؟ الشارع هو مكان عام. هذا هو المكان الذي نلتقي فيه. الناس لديهم الحق في ارتداء علامات حسب اختيارهم طالما لا يقومون بإخفاء وجوههم، وذلك لأسباب أمنية بسيطة. عندما النسويات الإيرانيات والجزائريات اللواتي سبق لهن أن فررن من الأصولية في بلدانهن، يرون فتيات محجبات في الشارع، أتفهم احباطهن. أنا أيضا أشعر بالرغبة في البكاء عندما أرى ليس الأمهات بل الأخوات والفتيات في سني أو أقل مني سنا يستسلمن لهذه الموضة الرجعية. وسوف أحارب إلى آخر رمق في حياتي حتى يفضل جيلي عدم حمل واجب الاحتشام فوق شعر النساء. فعلى الرجال ضبط النفس في الفضاء العام، وليس على النساء التكتم والسترة. انهن مستترات بما فيه الكفاية. يعتقد البعض أن ارتداء الحجاب في باريس هو أقل رجعية مما هو به الحال في إيران أو مصر. هذا هو بالضبط عكس ذلك. صديقاتي المصريات، محجبات أم لا، لا يستطعن المشي في شوارع القاهرة دون انزعاج أو لمس. حتى ان أخريات خاطرن بحياتهن لرفضهن ارتداء الحجاب في الجزائر في منتصف التسعينات، عندما قَتلت الجماعات الإسلامية المسلحة الفتيات اللواتي لم يطبقن الإنذار وذهبن مكشوفات الراس الى المدرسة. الاستسلام في باريس، بغض النظر عن السياق، وكل هذه المعارك قد يطغى عليه طابع التمرد في فرنسا لكنه فائق الأنانية على الصعيد العالمي. نحن محظوظون للعيش في بلد حيث تعطي المدرسة لنا الوقت لصياغة خياراتنا، دون انتساب الى دين ما في نظر الآخرين، واحترام هذا الاختيار لمن أراد بعد ذلك. وهذا توازن نادر، يوشك أن يكون فريدا من نوعه. نجد في جميع بلدان العالم تقريبا إما الأصولية والدكتاتورية. هنا، لا هذا ولا ذاك. وهذا الإنجاز لا يزال هشا. يجب أن ندافع عليه، بدلا من محاولة العودة الى الوراء باستمرار. عندما تم التصويت على العلمانية في سنة 1905، كان ذلك إثر مواجهة عسيرة وعنيفة للغاية مع الكنيسة الكاثوليكية. واستمرت في الإدانة بهذا القانون واعتباره "جاحدا" وغير عادلا لعقود ... أما اليوم، فحتى الكاثوليكيين يعترفون بأن الانفصال، والضوابط التي ترافقه، ضرورية لحماية التدخل السياسي في الدين والتدخل الديني في السياسة. ويجب تسجيل قانون مارس 2004 في هذا السياق. أنا أعرف ان بعض المسلمين اعتبروا أن طابع هذا القانون الاستثنائي. انه بالضبط عكس ذلك تماما. هو شرط مرتبط بالرغبة في المساواة.



الإسلاموفوبيا طارق رمضان، الدين ... كارولين فوريست تنكشف (الجزء 1/2)

3 مارس 2016 فريدريك جيلدوف




عندما قمنا بمراسلة أول مرة كارولين فوريست، لم نكن نتصور أننا سوف نجد أنفسنا، بعد أيام قليلة نتحاور معها حول الإسلام والعلمانية. لقد انطلقنا في دراسة مقالاتها بنظرة سلبية مسبقة، لا سيما ما تنشره على مُدونتها. وبعد استطلاعنا على اصداراتها، أصبح من الصعب علينا أن نصنف كارولين فوريست في خانة ما. هل هي تكره الإسلام كما نقرأ في العديد من المواقع؟ هل هي استفزازية الطبع تُحب أن تُكره؟ هل هي مهجوسة بالمسلمين؟ فسألناها. وهذا ما جاء في الجزء الأول من حوارنا مع كارولين فوريست. انها تتحدث عن الاسلاموفوبيا، عن الدين، عن طارق رمضان، أو عن الجائزة التي منحتها اياها " يا بون ايوارد " ... (© صور: JP-BALTEL)
 
أنفو حلال: كارولين فوريست، هل أنت تكرهين الإسلام؟

كارولين فوريست: لقد مرت اثنتي عشرة سنة وهذا الاتهام منتشر في حقي وذلك منذ صدور كتابي عن طارق رمضان، ولم يتكلّف احد، في أي وقت مضى، عناء طرح هذا السؤال علي ... فأنا اشكرك لفعل ذلك! وجوابي هو كالتالي: لا. بالتأكيد وقطعا لا. أنا مناهضة للعنصرية عن قناعة، وبالتالي محاربة لل"فوبيا" بجميع اشكالها. كوني متخصصة في الأصولية، يجعلني اشتغل وأقوم بالتنديد دائما وبشكل مستمر بالأصولية (اليهودية أو المسيحية أو المسلمة). ويتسبب لي هذا الوضع وصفي "بلإسلاموفوب" من قبل الإسلامويين وبالمسيحية فوب" من قبل اليمين المتطرف الكاثوليكي كما وصفت كذلك بال "متعاونة مع النازية" من قبل المتطرفين اليهود عندما قمت بانتقاد سياسة اليمين الإسرائيلي في الأعمدة التي كتبتها. فمثلما يتم توظيف تهمة "معاداة السامية" في بعض الأحيان لاستبعاد أي انتقاد لبعض السياسات الإسرائيلية، فتهمة "الإسلاموفوبيا" (و الذي يقصد به، بمعناه الحرفي، الخوف من الإسلام) تستخدم لخلط الاوراق وكل شيء وحتى ولو تم فقط انتقاد الأصولية والتوظيف السياسي والمضاد لحرية الدين وإقصاء الإسلام أو المسلمين.
 
"وعندما أدين الأعمال المعادية للمسلمين لا أحد يسمعني..."

 
انفو حلال: أنت ترفضين دائما مصطلح "الإسلاموفوبيا"، التي اختُرعت حسب رأيك "من قبل الإسلامويين لتلغيم النقاش وتحويل توجه المضادين للعنصرية لصالح نضالهم ضد ازدراء الديانات (أو التجديف). ألا يمكن أن يكون هناك كراهية حقيقية للإسلام كما هو الحال بالنسبة لمعادي السامية؟
 
كارولين فوريست: أنا لا أقول أن الإسلامويين هم الوحيدين الذين قاموا باستخدام هذا المصطلح. أقول أنهم كانوا أول من فهموا دور وأهمية حملات "الإسلاموفوبيا" في استبعاد خصومهم من الحركات النسوية والعلمانية، أو حتى نسبيا مكافحة التجديف. إذا استَمعت اليهم، فهم يعتبرون الدفاع عن العلمانية "إسلاموفوبيا"، وانتقادا للحركات الإسلاموية "إسلاموفوبيا" وحتى ابداء تخوف من الهجمات "اسلاموفوبيا"! وبالتالي، نرى"الإسلاموفوبيا" في كل مكان، كما يفعل التجمع ضد الاسلاموفوبيا في فرنسا (CCIF) الذين في احصاءاتهم يضيفون إلى الهجمات المعادية للمسلمين أفعالا لا تمتها بصلة، مثل أفعال السرقة الموصوفة التي تتعرض اليها بعض المساجد (من قبل المنحرفين) أو عند قتل مسلم لمسلم آخر (لأسباب شخصية). فالعنصرية المعادية للمسلمين حاضرة وموجودة. وانا أندد دائما بالأفعال المعادية للمسلمين، مثل الاعتداء الجسدي على النساء المحجبات. ولكن عندما أقوم بالاستنكار لا أحد يسمعني. وعندما أنتقد الأصوليين، أوصف " بالإسلاموفوب ".
 
أنفو حلال: أليس إنكار وجودها (أي الإسلاموفوبيا) قبل عام 1979، إعادة لكتابة التاريخ؟
 
كارولين فوريست: هذا جدل ليس في محله أو خارج عن السياق. أنتقد هذه الكلمة للارتباك الدلالي الذي قد تولّده والاستخدام السياسي الحالي لها، ويقومون بإجابتي أنها استُخدمت على خلاف ذلك مرة واحدة في سنة 1910. وماذا إذا؟ لقد قام الإسلامويون باستخدامها منذ عام 1979 على الأقل، وأكثر من ذلك، منذ قضية سلمان رشدي، لتكييف واعتبار أي نقد للأصولية، عنصرية. لقد وصفت النسويات الأمريكية اللواتي ساندن الثورة ضد الشاه، (الا أنهن رفضن الالتزام بالحجاب) بأنهن معاديات للإسلام. كتب البعض أن هذا ليس ممكنا لأن الكلمة لا وجود لها في اللغة الفارسية ... فاأنا اعتبر ان النقاش غير شريفة وغبي لأنهن تمت اهانتهن باللغة الإنجليزية! نعم، حتى الأصوليين الإيرانيين يتحدثون الانجليزية ... وفي وقت لاحق، في أواخر الثمانينات ومنتصف التسعينات، قام الاسلامويون البريطانييون باتهام سلمان رشدي وتسليمة نسرين بالمعادين للإسلام. وهي نفس الاحكام المسبقة التي يتعرض اليها الاشخاص العلمانيين مثلي أو مثل إليزابيث بادينتر أو كامل داود فيُتَّهمون بالاسلاموفوب. "نحن لسنا الأولين، ولن نكون الأخيرين من يتعرضون لهذه الاتهامات الباطلة. والمقصود بتهمة معاداة الإسلام، تقسيمنا وتحريض بعضنا على بعض. ووضع وصمة عار على رؤوسنا. فيقوم البعض بمهاجمتنا والبعض الآخر يخفي إظهار تضامنه معنا ضد هؤلاء المعتدين. الهدف من هذه المحاكمة رمي اللعنة على العلمانيين، وغالبا المسلمين العلمانيين، للسماح للأصوليين التغرير بأولئك الذين، عن حسن نية، يخافون التعرض للإقصاء. المسؤولون عن هذه التصرفات يأملون ألا يضطلع أحدا على نصوصنا. وهم على حق لرفض الاضطلاع على نصوصي. سوف يجدونني أقوم بفضح دائما جميع الأصوليين واليمين العنصري المتطرف! فابتزازهم يَضعف تأثيره يوما بعد يوم. أولئك الذين يقرأون كتبي ويتابعون أفلامي الوثائقية يعلمون جيدا انني لست معادية للإسلام، وحتى أنني احارب المسلموفوب، أولئك الذين يرفضون حقا المسلمين. فمدوناتي كانت بالفرنسية أو العربية أو الإنجليزية تُقرأ دائما في العالم العربي والإسلامي. وعدد قرائي على نحو متزايد.
 





"فقانون سنة 1905 ضروري لحماية التدخل السياسي في الدين والتدخل الديني في السياسة. وقانون مارس 2004 يأتي في هذا السياق. أنا أعرف ان بعض المسلمين يعتبرونه بمثابة قانون استثنائي. وهو بالضبط عكس ذلك. فهو شرط مرتبط بالرغبة في المساواة".

أنفو الحلال: أنت شخصية ذو طابع معقد. نلمس الصدق في كل ما تقولينه، ولكن نحن أيضا نتخيل أنك تستحلين كذلك كثيرا الكراهية التي يكُنُّها لك فئات معينة من الأشخاص ...
 
كارولين فوريست: لا، أنا أؤكد لكم أنني لا أجد أي متعة في ذلك. بل هو أحيانا مؤلم أن نرى مدى تأثير هذه الدعاية التي تروج بسوء نية مذهلة. ولكنك على حق، لقد اخترت حماية نفسي وتعودت على هذا الامر. لا أستطيع أن أقول أي شيء آخر غير ما أعتقده حقا وعادلا، وهذا الامر منذ نعومة اظفاري. ربياني والدي على كراهية النفاق. وهذا قد يكون السبب في أنني أصبحت صحفية وتخصصت في دراسة "الخطاب المزدوج"، سواء كان ذلك عن طارق رمضان أو مارين لوبان. عندما أرى الزملاء الانسياق وراء أي دعاية، وعندما أرى أن البعض يقتنعون ويكتبون أن طارق رمضان ليس له اي علاقة بالإخوان المسلمين أو ان الجبهة الوطنية لم تعد حزبا عنصريا، أشعر أنه من واجبي أن آخذ قلمي، حتى ولو تلقيت الضربات العنيفة، لاستعادة الحقيقة. في السنوات الأخيرة، اشتغلت تقريبا جميع الدعايات الأكثر راديكالية: اليمين الكاثوليكي المتطرف واليمين الديني الأمريكي، والجبهة الوطنية، وطارق رمضان، والمتآمرين ... أصبح "المشجعون" الغاضبون مني كثيرون. فانا لا أبالي. ولا يهمني المتصيدون أو أولئك الذين يتبعون معلميهم الروحانيين باَعيُن مُغلقة. أنا أقوم بعملي لمخاطبة الآخرين: أولئك الذين يرفضون التغرير بهم.
 
آنفو حلال: فمن ناحية، تُعتبرين من قبل اليمين المتطرف مناصرة للإسلام ومن جهة أخرى معادية للإسلام. كيف تفسرين ذلك؟

 
كارولين فوريست: ادراك التوازن! (ابتسامة) فبعد عشر سنوات من العمل بشكل حصري تقريبا على اليمين الكاثوليكي المتطرف، قضيت عشر سنوات اخرى في العمل على الأصولية الإسلاموية. أنا فخورة جدا من إغضاب البعض بقدر اغضاب الاخرين. عندما انتقد نفاق رمضان أو جماعة الإخوان المسلمين، تتهمني شبكاتهم بالإسلاموفوب" ولكن عندما اندِّد، وأنا من بين أول من فعل ذلك (انظر هنا، هنا، هنا، هنا وهنا)، ريبوست لاييك لعنصريتها المعادية للمسلمين، وارتباطها ببلوك ايدونتيطير و عمليتها" النقانق آبيرو "، يصفونني بمناصرة للاسلام" (اسلاموفيل). "أجد هذا الموقف سليم ومنطقي جدا. فالأشخاص الاذكياء يتفهمون في نهاية المطاف خط تحريري العلماني والمناهض للعنصرية على حد السواء: بدلا من ألاّ أقول شيئا او الا أفعل شيئا، أقوم بمحاربة كل من الأصولية والعنصرية في وقت واحد.
 
"أنا أدافع عن علمانية موزونة ومدروسة"

 
انفو حلال: لقد حصلتِ على الجائزة الوطنية للعلمانية من اللجنة الجمهورية العلمانية في عام 2005 لمواقفك "ضد كل من الأصولية الدينية ونكساتها المحاربة للحرية، وكذلك للتزامهم امام اليمين المتطرف" . ألَست قبل كل شيء أكثر من علمانية، معارضة شديدة للديانات على وجه الإطلاق؟
 
كارولين فوريست: العلمانية التي أدافع عنها موزونة ومدروسة جدا: فهي علمانية التوافق لعام 1905، الذي يضمن حرية الاعتقاد، وبالتالي حرية الديانة. الى جانب ذلك، أنا لا أشتغل على ديانة في حد ذاتها، ولكن على الأصولية. التي أُعَرِّف بها في جميع كتبي بالتوظيف السياسي للدين. واذهب الى القول انه باشتغالي بمحاربة الأصولية، فاني أدافع الى حد ما عن حق التدين وعن الروحانيات وفي عدم تعرضهم الى الاستغلال. أنا أومن كثيرا بمستقبل التصوف الهادئ. عدد كبير جدا من المسلمين في جميع أنحاء العالم، لا يطيقون الإخوان المسلمين وتلاعباتهم السياسية، ولا بالطبع فظائع داعش. فبعد هذه السنوات الرهيبة، سوف يعود المؤمنون الحقيقيون غالبا الى القراءة الروحية. كما انفتحت الكاثوليكية عندما ذهبت الكنيسة بعيدا جدا في التعصب. لقد كتبت أول كتبي ضد الأصولية الكاثوليكية عند اليسار الكاثوليكي. اليوم، أنا أحارب الأصولية مع المسلمين واليهود العلمانيين، المؤمنين ولكن الذين يحترمون او حتى يعشقون العلمانية. لقد ناضلت لسنوات لإظهار صورة أخرى عن الإسلام، عندما أدافع عن اليوغور أو الروهينجا في الأعمدة التي اكتبها. أو عندما أنجزت هذه السلسلة من الأفلام لإعطاء صوة وكلمة وصورة للمرأة المسلمة (انظر هنا) من ثقافات مختلفة جدا. إذا لم يعد هناك أي تهديد صادر عن الأصوليين، في أي دين من الديانات، فلن اعمل بعد الآن الا على اليمين المتطرف العنصري ... وللأسف، فالأصولية في حالة جيدة، بل لعلها خبيثة جدا، وهي تساعد على صعود اليمين المتطرف.
 

انفو حلال: في مختلف الأعمال الخاصة بك، إما فيما يخص التحقيق عن طارق رمضان أو الاشتغال عن حركة فيمن، هل تعتبرين نفسك ناشطة اكثر من صحافية؟ اوإيديولوجية؟ اومجادلة؟
 
 
كارولين فوريست: عندما يتعلق الأمر برجل، نحن نتحدث فقط عن مفكر ملتزم. أنا جزء من هذا التقليد من الرجال أو النساء الذين اختاروا النضال بأخذ القلم وليس السيف. أنا لست ممتهنة للفلسفة ولكنني كاتبة ومحررة لمقالات، ومنجزة لأفلام وثائقية. كما أنني خريجة المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية وأنا أدرِّس في معهد العلوم السياسية. ولكن خلافا لبعض الباحثين الذين يحاولون إخفاء منظورهم الناشط في لغة مقتصرة على فئة معينة، فأننا اتحمل تماما مسؤولية المنبر الذي أتحدث منه. أنا نسوية علمانية ومناهضة للعنصرية. أنا أشتغل على الراديكاليين، ولكن أدافع عن أفكار بسيطة مثل الحرية والمساواة والإخاء والعلمانية. "المجادلة" بالمعنى القديم، بمعنى المشاركة في مناقشة الأفكار، نعم. ولكن "ايديولوغ"، لا. أنا أكره الناس الذين يحرفون الحقيقة لاستمالتها الى توجهاتهم. أنا أحب التحقيق والشك لعدة أشهر، والتفكير ضد نفسي. ولكن عندما أجد أدلة مقنعة، عندما أكَوِّن رأيي وأثَبِّت قناعتي، فأنا أدافع، وهذا صحيح، عن وجهة نظري بطريقة قد تبدو ملحة وبالتالي قاطعة. وأنا أدرك ذلك. لكن هذا الامر مرتبط بولعي بالمعلومة ... ويمكن لأي شخص أن يحكم بنفسه. فكتبي تتوفر على شروحات دقيقة للغاية. كما أعطي الكثير من التفاصيل، يمكن أن أخطأ في تاريخ معين أو مدة ركوب القطارمثلا، فيقوم خصومي باستخدام ذلك ضدي على الفور إنها حرب عادلة، ولكن خلافا لهم، إذا أخطأت، فأنا اعترف بذلك واقوم بالتصحيح على الفور. سواء على مدونتي أو عند كل طبعة جديدة لكتبي.
 
"قضية تسعة أشهر في قراءة كتب طارق رمضان"
 
 
آنفو حلال: يبدو أن خصومك يستخدمون ضدك نفس الأساليب التي تستخدمينها ضد طارق رمضان: إزالة بعض العبارات من سياقها في المقابلات التي تعطى في الخارج، يمكن للمرء أن يفكر بسهولة أن لديك خطابا مزدوجا . على سبيل المثال، باسكال بونيفاس يكتب "في مقال نشر في صحيفة وول ستريت جورنال في 2 فبراير 2005، فلقد أعربت (أي انت) عن قلقها إزاء صعوبة اندماج المهاجرين العرب". لكن عند قراءة هذا المقال، نعترف بأن الرسالة التي تودين تبليغها تختلف تماما عن تلك التي تحدث عنها بونيفاس. فماذا لو كان خطاب طارق رمضان، في الواقع، ليس مزدوجا؟
 
كارولين فوريست: اولا شكرا لتفحصك لصحيفة وول ستريت جورنال ... قليلا من الناس فعلا قاموا بذلك. فالتلاعب هذا لباسكال بونيفاس سمح له بوصفي بال "كاذبة التسلسلية. " وهذا صادر عن كذب... إن حلفاء طارق رمضان يخدعون بشكل منتظم من أجل اتهامي بكل ما أنا ألومه به. وهذا هو أساس الدعاية. اتهام كل من يدق ناقوس الخطر بنفس الافعال التي قد يحذر من خطرها، وبنفس الكلمات، لإلغاء حالة تأهب. أنا اتهم رمضان بالكذب، هو يتهمني بالكذب. ثم استأنف بونيفاس التهمة ومارين لوبان، الخ... والفرق بينهم وبيني، وهذا هو السبب في مواصلة ثقة قرائي بي، هو أنني أُثَبت ما أتقدم به في كتبي وأعتذر عندما يتخلل أحيانا خطئا في المعلومات التي اقدمها عن حسن نية. أما طارق رمضان، فهو يتعمد الغش. لا يبوح الا بنصف نواياه في وسائل الإعلام، والنصف الآخر في الدوائر الأخوية كما في جمعية المنظمات الإسلامية في فرنسا. وذلك عن طريق تتبع استراتيجية محكمة. لقد اشتكى منذ سنوات من تعرضه لتهمة "الخطاب المزدوج" دون أن يذهب أحد للتحقق. وقد كان على حق. أنا فعلت. وقضيت تسعة أشهر في قراءة جميع كتبه، والاستماع إلى جميع أشرطته ومحاضراته المتوفرة في المكتبات، واستجواب أول مدير أطروحته، والأصدقاء القدامى و الناشطين. وأخيرا، حتى بالفرنسية، وجدت الأدلة والحجية القاطعة لخطاب موجه خصيصا لطمأنة الرأي الخارجي وخطاب موجه للداخل (أي الأوساط التي تتقاسم معه الرأي). على سبيل المثال حول حسن البنا ... قال طارق رمضان، عندما وُضع في قفص الاتهام، انه ليس سوى حفيده وانه يمكن أن يكون منتقدا لإرثه، الا انه لا ينتقده على الإطلاق. وقد قدم أطروحة يشيد فيها ويبجل بجده (والتي تم رفضها من قبل لجنة التحكيم الأولى)، حيث كان قد محى كل جانب غير ديمقراطي او ذا طابع شمولي، ويوصف حسن البنا كأكبر إصلاحي مسلم، وكقدوة للمسلمين في أوروبا! لقد استمعت عشرين مرة أشرطة جده، فهو لا ينطق في الواقع باي كلمة نقد ... كتابي يتوفر على 424 صفحة، ويتضمن 600 ملاحظات مرجعية. اقرأ واحكم بنفسك، وسوف تجد الكثير من الأمثلة على ازدواجية أو الخطب ذات المَدخلين.
 
"تشارلي لم يحرض أبدا على الكراهية"

 
آنفو حلال: عند الهجوم ضد شارلي ابدو، يبدو أنه إذا كان أحد ليس تشارلي، فهو يعتبر من مناصري الأصوليين. هل بإمكاننا أن لا نحب تشارلي - وأنا لا أتحدث هنا عن حرمانه من حقه في حرية التعبير والتي، بطبيعة الحال، من حقه - وندين الهجمات؟ أو بعبارة أخرى، هل لدينا الحق في عدم الضحك على كل شيء، لمجرد أننا لا نجد ذلك مضحكا ؟
 
كارولين فوريست: طبعا! انها حتى ما قلته في كتابي "مديح ازدراء الديانات". ونحن قد لا نرغب في قراءة تشارلي وبالتالي لا نقرأ أو نشاهد رسوم تشارلي! يمكننا أيضا أن نقول: "أنا لا أحب تشارلي وكل رسوماته. "ولكن أنا أرفض أن يتم تهديده بالموت. ما صدم، هو أنه عندما يُسأل الناس عن ذلك فهم يقولون عكس ذلك : "انا لا اقول انه يجب ان يُقْتلوا ولكنهم لم يكن عليهم فعل ما فعلوا ..." بصفة عامة لقد استحقوا ما وقع لهم. فسماع ذلك شيء فضيع. هذا الأمر ليس فقط أصولي بل هولا إنساني. وهذا ما يعزز موقف دعاية المجرمين.
 
انفو حلال: اعلان رغب تقديم شكوى ضد هؤلاء الذين يقدموا جائزة يا بون أوارد"، في حفلة فكاهية، أليس هذا الامر يتعارض مع رغبتك في الحصول على حرية كاملة في التعبير؟
 
كارولين فوريست: قليلا ما أقدم دعوى بالنظر لكل ما ينشر من أكاذيب وردود افعال عنيفة ضدي. وأشك في مآل هذه الدعوى، ولكن أردت أن أدق ناقوس الخطر. أردت القول للجنة التحكيم لهذه الجائزة "أوقفوا ولو لثانيتين غسيل الدماغ " كان ذلك قبل هجمات تشارلي، ولكن كنت أعيش حينها وفوق راسي تهديدات جدية. والتي يتم تسهيلها عن طريق الاتهامات الهوجاء بال"الإسلاموفوبيا". وعندما يُتهم شخص بالاسلاموفوبيا، ينشر اسمه على المواقع الجهادية (في حالتي) ويصبح هدفا جاهزا لتصفيته. هذا هو السبب في مساندة الجميع لكامل داود. مع العلم ان معظم القتلة الذين رشحوه ليصبح هدفا وجب اخد الثأر منه، يعيشون حياة رغيدة في الغرب ... أمّا هو، فلا. وأخيرا، لم يسبق لي أن ناديت بحرية التعبير المطلقة. أعتقد أنه توجب المساءلة عند القدف، عندما يتم التحريض على الكراهية أو الجريمة. تشارلي لم يحرض قط على الكراهية، ولا حتى الضحك على المسلمين، فهو يقوم فقط بالضحك على المتعصبين الذين يحولون حياة المسلمين وغير المسلمين الى جحيم. باسم محاربة العنصرية والتوخي بالروح التحررية. هذا هو سبب كسبنا لقضية الرسوم الكاريكاتورية في المحكمة. بسبب عدم وجود الكراهية في هذه العدد. لقد استطعنا توضيح، مع ذلك، أن رسوم كابو تحارب الخلط بين محمد والمتعصبين ... فمحمد مستاء منهم في هذا الرسم! أما عندما "يا بون اوارد" تخرج عبارة علمانية من سياقها لتُوهم أن طابعها عنصري، فهذا هو القدف. وفي نفس الوقت عندما يغني ميدين: "صلب العلمانيين كما غوغوطا" يذهب إلى ما هو أبعد من الهجاء البسيط، هو دعوة للعنف ... تشارلي لم يدعو قط بقتل المتديننين كما هو الحال في أيام الثورة ! المرة الوحيدة في التاريخ، الذي حكم على رسم تشارلي، كان حين أظهر رسم للبابا وهو يُقطع رأسه ... واعتبرت المحكمة أن ذلك يمكن أن يحرض على العنف الجسدي. إذا قمنا بذلك على الإسلام، كنا أيضا سوف يُحكم علينا. فزيمور يُدان عندما يعبر عن مواقفه العنصرية. أما ميدين فهو يبيع أسطواناته التي يغني فيها عن ضرورة "صلب العلمانيين. دون ان يتعرض لأي متابعة. وبالطبع دون أي يتعرض الى خطراختراق جلده من قبل متطرف بسبب اشرطته. وهذا لا يتطلب نفس الجرأة بالضبط مثل كامل داود، بوعلام صنصال أو ديلام، الذين تعرضوا الى تهديدات بالقتل لأنهم تحدثوا عن الإسلامويين.