الجمعة، 8 سبتمبر 2017

بورما: أوقفوا مجزرة روهنجيا !




لأول مرة لم يتعلق الأمر بهذيان المظلومية لمهنيّي محاربة "الإسلاموفوبيا". إذا كان هناك حقّا أقلّية مُسلمة مضطّهدة، فهي أقلية المسلمين الروهنجيا في بورما. تعتبرها الامم المتحدة "الاقلية الاكثر اضطهادا" في العالم. مأساة صارخة للتحالف الأوروبي المغاربي الوسط. فالكون أوسع وأكثر تعقيدا من منظور آسيا. المتطرفون الدينيون ليسوا مسلمون ولكن بوذيون. حليقوا الرأس بجلباب زعفرانيّ اللون يقومون بحملات عقابية، يضربون بالهراوات ويحرقون قرى بكاملها وحتى الرؤوس يقطعونها.

وتعود اصول العنصرية في هذا البلد الى وقت بعيد حيث يمثل البوذيون 88٪ من الساكنة. ويحتقر القوميون في بورما منذ زمن طويل مواطني بلدهم المسلمين والذي يتمركزون خاصة في غرب البورما. يعتقدون جليّا أن هؤلاء المسلمين من مخلّفات الاستعمار البريطاني الذي جاء بهم ضمن أمتعته. وقد ساعد تصاعد القوميين، كما يحصل في باقي بقاع العالم ـ بسبب الحكم الاستبدادي والعسكري – في اشعال فتيل نار الإحساس الدّفين بانعدام الثقة. ولم يتوقف الرهبان المتطرفين من إثارة الكراهية، كحركة 969 وقائدها أشين ويراثو، الذي تم تخليد ذكراه في الفيلم الوثائقي لباربيت شرويدر، المُبجّل "و" (W). فتظهر رعيّته وهي تهتف في مظاهرة حاشدة "المسلمين، نحن لا نرغب فيهم! " وقد ناضلت حركته من أجل الدّفاع عن قانون يُسمّى" حماية العرق والدين" يحظر الزواج بين المسلمين والبوذيين.

منذ صدور الفيلم الوثائقي، يبدوا ان المعلم او الغورو "و"(W) (نسبة "لويرثو") في وضع حرج. حاولت السلطات البوذية البورمية قطع "صفارته". غير أن بذور الشقاق زُرعت فعلا، وتولى رهبان متعصبون آخرون مسؤولية تمرير الشُّعلة. فلأدنى سبب، تندلع اشتباكات بين الطوائف. وكما حدث في عام 2012، عندما اتّثهم ثلاثة مسلمين باغتصاب امرأة بوذية. وعلى الرغم من حكم الإعدام الصادر في حقّهم، سحق الأصوليون بجلباب زعفرانيّ اللون عشرات الروهنجيا ودمّروا آلاف المنازل انتقاما منهم. ومنذ عام 1982، فقد المسلمون في بورما حقّهم في الجنسية أيضا. وهم يجولون في بلدهم دون أوراق، دون الحق في ولوج المستشفيات او المدارس او سوق العمل. ولا يزال وضعهم في تدهور مستمر. ويعيش بعضهم في المناطق أشد فقرا، ويهدد ارتفاع منسوب المياه أحيانا حياتهم. العديد يفضلون النّفي. والبعض التطرّف.

لم يثر هذا الامر ولفترة طويلة اهتمام الإسلامويّين الجيفة. لقد عبّرْتُ لربيعة قدير عن دهشتي لهذا الوضع عندما التقيت بها منذ سنوات، وهي زعيمة الأقلية المسلمة الأخرى في آسيا "الويغور" المضطهدين كذلك، فأعطتني المفتاح ردّا على تساؤلي: "نحن لسنا عرب ولكن آسيويين. ونحن لسنا مضطهدين من قبل إسرائيل. فلا مصلحة لهم بنا ". في الواقع، وكتحصيل حاصل، في حين أن" الأشقاء العرب"مهتمين فقط بالقضية الفلسطينية، وجد الإنسانيون أنفسهم لوحدهم قلقون لمصير الروهينجيا. ومنذ ذلك الحين، استخدم الأصوليون وضعيّتهم لإثارة البكاء والشفقة وفي نفس الوقت تشجيع على التجنيد لصالحهم. مُعظم المنظمات غير الحكومية التي تساعد المسلمين البورميين فاسدين.

فهذا الوضع لن يساعد الروهينجيا، الذي أدخل بعضهم في نهاية المطاف في التمرد المسلح. أسس المتطرفون "أرسا"، جيش الخلاص الروهينجي من أراكان. هاجموا خلال هذا الصيف نحو ثلاثين مركزا للشرطة. أعمال الشغب التي أعطت الذريعة المثالية لتحريك عملية شاسعة للقمع. وهي لم تخُصَّ المتمردين فقط بل كل الروهينجيا، دون تمييز. عبارة عن حملات تمشيط واسعة ضد المسلمين. وتُظهر خريطة الأقمار الصناعية حجم الدّمار الذي خلّفته هذه الحملات : مئات من القرى الروهينجيا محروقة لأميال، بما شملته من مجازر.

فمنذ 25 آب / أغسطس، فرَّ 000 123 من الروهينجيا من بورما للبحث عن ملجأ في بنغلاديش. أولئك الذين ذهبوا للإختباء في الهند عاشوا نفس الكابوس. فهناك، سحب القوميون الهندوس أوراق اللاجئين الخاصة بهم وهدّدوا بإعادتهم إلى الموت لا محالة. ولعل الشيء المحزن هو الصمت الرهيب الذي التزمته أونغ سان سو كيي. الوجه المشهور عالميا للمعارضة البورمية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والتي أصبحت رئيسة وزراء، فهي لا تزال مُلتزمة الصمت للحفاظ على علاقتها الجديدة بالمجلس العسكري وسياستها الخجولة اتجاه الانفتاح على العالم. أمر مُشين وخطير. كلّما الإنسانيون بالصّمت ملتزمون، كلّما زارعو الكراهية حاصدون.

كارولين فوريست