الجمعة، 8 نوفمبر 2019

يسعى مصطلح "اسلاموفوبيا " إلى اعتبار التقييم النقدي للدين شكل من أشكال العنصرية






بعد كل هجوم، أينما حلّ وارتحل، يقوم هذا المصطلح بزرع الارتباك والشِّقاق. إنه مصطلح "الإسلاموفوبيا".

انه صراع يومي من أجل التعريف الجيد للأشياء ووضع النقاط على الحروف" حتى لا نثقل كاهل العالم بمصيبة أخرى "، كما تنبأ ألبير كامو. أصبحت الدّقة الدلالية مسألة حياة او موت منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001. ومنذ أن أصبحت الإسلاموية تقتل والعنصرية تحصد. فبعد كل هجوم، أينما ذهبت، تجد مصطلحا يزرع دائما الارتباك والشِّقاق. إنّه مصطلح "الاسلاموفوبيا.

في وقت بدأنا نعرف مرحلة من الهجمات المعادية للمسلمين، بعد سنوات من الهجمات الإسلاموية، سيتسنى لهذا المصطلح اتمام عمله الانقسامي. في وقت نحن في أشد الحاجة إلى تجميع أشلائنا مجدّدا، ها هو الآن يُحوِّل كل حروق أفئدتنا إلى "رقابة". بفضل معناه المزدوج، وأصله المضلّل وتسخيره لأغراض مشبوهة، فهو يكثم انفاس مناقشاتنا ويستنزف جهودنا في محاولتنا رفع اللبس وعلاج سوء الفهم الذي قد يولده استخدامه، مُسيء كان ام ساذج.

فالاثنان يتعايشان. يميل استخدامه المسيء إلى اعتبار أي تقييم نقدي للدين أو للأصولية شكل من اشكال العنصرية. أما الاستخدام الساذج فهو يقصد بكل إخلاص استهداف العنصرية المعادية للمسلمين. وسرعان ما يغمر الاستخدام الساذج لمصطلح الاسلاموفوبيا التأويل المُوسع والمُسيء. فحرفيًا وأصليّا، تعني كلمة "الاسلاموفوبيا" أولئك "الذين يخافون من الإسلام"، وليس أولئك الذين يكرهون المسلمين.

إيران وفرنسا

لعقود، ومنذ حكم ملالي إيران، ومنذ قضية رشدي في إنجلترا، يسمح هذا المصطلح بوضع الكارهين والمُتَيَقِّظين في نفس القالب، حتى لو كانوا مسلمين أو مسلمين سابقين. فالمحاكمة في قضية "الاسلاموفوبيا"، أكثر فعالية من المحاكمة في قضية الرّدّة، حيث تعمل على كبح اصواتهم.

لتجنب هذا الانجراف، يكفي أن تكون دقيقًا وتُنادي ضد العنصرية المعادية للمسلمين أو "رهاب المسلمين". هذان التعبيران الأكثر دقة يتجنبان الخلط وانتهاك لحرية التعبير. ولكن في عصرنا هذا، البقاء لما قلّ ودل. كلمة "اسلاموفوبيا" أقصر. فالارتباك الناتج عن تحديد مفهومه القاتل يفوز وبلا شك. كما ان الدّقة التي قد تُوَحّد بيننا وتُنقد أرواحنا لا تُشكّل بالبتّة هدف المهنيِّين عند مكافحة "الاسلاموفوبيا". إنهم يريدون تقسيمنا وترهيبنا ووضعنا تحت الرّقابة.

نحن لا نراهم أبدًا يقفون بجانبنا عند التحقيق حول اليمين المتطرف والتنديد به. كما نادراً ما يتم سماعهم وهم يتظاهرون تحت لواء مصطلح الاسلاموفوبيا لمناهضة "المصير" العنصري المحض الذي يعانيان منه الروهينجا أو اليوغور. كل طاقاتهم تصب نحو إقصاء العلمانيين، وحتى المسلمين العلمانيين. فبين أيديهم وعلى شفاههم لا يقصد مصطلح "اسلاموفوبيا" حماية ضحايا العنصرية، بل حماية الديانة من التقييم النقدي.

باسم رؤية مسيئة لكلمة "اسلاموفوبيا" ، تم شن في السنوات الأخيرة كل حملات الترهيب التي تهدف إلى كبح نقد الأصولية، وبالتحديد تلك التي ضربت فيها الأصولية وحصدت الارواح. لقد تطرق اليها شارب قبل أن يموت في رسالته موجهة لمحتالين الاسلاموفوبيا الذين يلعبون لعبة العنصريين.

تمجيد الكراهية

عندما ظهر كتابه بعد وفاته، كنت أحذّر لأكثر من اثني عشر عامًا في كتابي "العلمانية على محك الأصوليات اليهودية والمسيحية والإسلامية" (الذي كتبته بمعية فياميتا فينّر)، في الاعمدة الصحفية وفي مجلة شارلي. من سوف يَصغى الى هذه الفوارق والتّفاصيل الدقيقة الآن؟ من سيصدق أن هذه التحذيرات لا تهدف بأي حال من الأحوال إلى التقليل من خطر العنصرية المعادية للمسلمين، ولكن ترفض الفخ الذي نُصب لنا؟ الا وهو تهديد حرية التعبير عن طريق دمجها بالكراهية. وتمجيد الكراهية المتنكرة في لباس حرية التعبير.

لا يزال بإمكاننا تجاوز هذا الفخ. من خلال التعبئة تحت الشعارات الصّائبة بمعيّة رُفقة ذو مصداقية. وذلك من خلال النداء لمناهضة "العنصرية المعادية للمسلمين" أو "رهاب المسلمين" إلى جانب المنظمات المناهضة للعنصرية، وليس المناصِرة للأصولية. التظاهر ضد "الاسلاموفوبيا" إلى جانب منظمات اليمين المتطرف المسلم يرقى إلى التظاهر ضد "رهاب المسيحية" إلى جانب اليمين المتطرف المسيحي. لم يفكر أحد في الأمر، حتى عندما ذبح الجهاديون الكهنة. لماذا إذن القيام بذلك عندما يهاجم العنصريون المساجد؟ ما نوع الغرابة التي تمنعنا من رؤية هذا الخطر؟ يمكننا التظاهر ضد اي شيء، ولكن ليس مع أي كان.

كارولين فوريست