السبت، 14 يوليو 2018

روسيا: معتقل الجولاج لاوليغ سينتسوف




قد توافيه المنيّة بين هدفين. فبينما نحن نتنحنح على إيقاع منافسات كأس العالم في روسيا، يقبع المخرج في جولاج سيبيريا. بدأ إضرابه عن الطعام، قبل بداية المنافسة، مباشرة بعد مرحلته النهائية. وخسر أكثرمن 15 كلغراما من وزنه. سوف يصل قريبا إلى ذلك الحد الذي لا عودة بعده الى الحياة: سبعين يومًا من الاضراب عن الطعام. وستشكل هذه الموت وصمة عار لا تمحى في كأس عالم بوتين، بسبب العجز على التاثير على ضمير بوتين. ستترك آثارا تفوق آثار أهداف فريق كرواتيا على روسيا. وتفوق حتى آثار الفيديو الذي صوره اللاعب الكرواتي دوماغوج فيدا مكرسا من خلاله فرحة النصر لأوكراني. كان على اللعب المسكين أن يعتذر حتى لا يتم طرده من كأس العالم. لو من سوء حظه كانت جنسيته روسية، لتعرض للتعذيب والحبس. هذا ما حدث للستين سجينا سياسيا أيّدوا "ميدان" أو الذين رفضوا انضمام شبه جزيرة القرم الى روسيا، بعدما تعرّضوا لمحاكمة استالينية سخيفة شيبهة بأفلام الدرجة ثانية.

 في قضية المخرج أوليغ سينتسوف، يبدوا ان السيناريو والإخراج كلاهما شملهما العبث وغاب عنهما الاتقان. فلا يملك الجميع موهبَة هذا المخرج. كما لا يُعرف عن المخابرات الروسية امتلاك خيال فضفاض، حتى تجرّأ على كل شيء.

لا أحد يجرؤ على الوقوف في وجه بوتين

 يمكنه ان يتصرف على هواه. فمجرد فيديو يظهر فيه رجل مقنَّع في محاولة لإشعال النار، إضافة الى شهادة تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب، ثم توجيه اتّهام بشع وكاذب، كما جرت العادة، والمتمثل في دعم اليمين المتطرف، وها قد انتهى الأمر. فالمتّهم بإعداد "عمل إرهابي"، المخرج، الذي كان في الواقع يصور فيلم عن "ميدان"، حُكم عليه بعشرين عاما من السجن في يناير عام 2015. بينما كنا نحن نبكي أمواتنا في باريس، سقط السّاطور. وانتهت حياته كرجل حرّ. والعالم لم يبال.

لا أحد يجرؤ على الوقوف في وجه بوتين. يمكنه ان يتصرف على هواه. زعزعة استقرار بلد مجاور، ضمه، وتضليل كوكب بأسره بأخبار وهمية بفضل متصيدوا العالم الافتراضي، محو معارضين وصحفيين، تهديد أوروبا وكل من يدعمها ... من سيُوقفه؟ انتخاب الرئيس الأمريكي بفضل حملاته التضليلية؟ حتى الرئيس الفرنسي الأوروبي، الذي فشل في القضاء عليه لصالح مرشحته المفضلّة، مارين لوبان، بالكاد يرفع صوته.

حتى بعض الأوروبيين، الذين يتمتعون بالحرية الكاملة في تحركاتهم وأفكارهم، يجدون بوتين جدّابا ويعجبون به. لا من أقصى اليسار ولا من اليمين المتطرف في أوروبا، الذي يستنزفون هذه الأخيرة من كلا الطرفين، لإضعافها بشكل أفضل. ويعطي بوتين الأولوية للمجموعات القومية، هم الأنسب لكسر أوروبا من الداخل. هذا ما سيخدم جليّا مصالحه، وحلمه الإمبريالي لروسيا العظمى.

المشروع يتقدم بخطى ثابتة

في غضون أيام قليلة، ستتوقف منافسات كأس العالم. قد يوقف أوليغ سينتسوف إضرابه عن الطعام، او قد يموت. ليس هناك من يُقاوم بوتين. في بعض الأحيان، فقط، يُكسّر الصمت. بتحلّيه لشجاعة وبدء إضراب عن الطعام عشية المونديال، انتهز أوليغ سينتسوف فرصته الأخيرة، ألاّ يتم نسيانه. فجاء المؤيدون من جميع أنحاء العالم، خاصة من عالم السينما. كاثرين كورسيني وعشرات المخرجين مؤخراً أطلقوا عريضة حتى لا نتخلى عنه. هذه التحركات تبعث بالإطمئنان. هذا يعني انّنا لم نُخدّر بعد بالكامل، ولا حتى لم نألف عيش هذا التقهقر الهائل نحو حكم الديمقراطيات المزيّفة. عالم حيث يتقاسم ترامب وكيم جونغ أون أرضية مشتركة، في حين يحكم أردوغان وبوتين عن طريق تكثيف اعتقالات المعارضين والتعذيب وإصدار أوامر الاعتقال، دون أدنى صعوبة. لقد أصبح كوكبنا بدون شرطي أو حتى منظمة دولية تُنحنح، حيث غادرت أمريكا مجلس حقوق الإنسان وحيث لم تعد أوروبا وازنة.

في غضون أيام قليلة، ستتوقف منافسات كأس العالم. سوف نعرف من الذي فاز ... فريق أوروبي. بعد كل شيء، كرة القدم هي الآن مصدر تماسكنا معا، كما هو الحال في جميع البلدان النامية، دون دولة قوية ولا مشروع مشترك حقيقي.

سوف يوقف أوليغ سينتسوف إضرابه عن الطعام، أو سيموت. أما نحن فسوف نستمر في عيش مباراة مهولة مغشوشة، حيث يجوز للفريق الروسي في أي وقت إزالة أو إيقاف أو التسبب في تسمم لاعبي فريق المعارضة. في عقر دارها يُسمح بجميع الضربات للفوز. أما نحن فلم نعد نعرف كيف نشكل فريقًا أو ندافع عن نشيد الدمقراطية الذي من المفروض هو أساس تماسكنا.

كارولين فوريست

الأحد، 1 يوليو 2018

امتنان الوطن الأم: يعجز لساننا التعبير عن مدى امتناننا لسيمون فيل بإسم كل أولئك الذين يعيشون حياة أقلّ تحطُّما






هذا الأحد، 1 يوليو، ستدخل سيمون فيل البانثيون مع زوجها أنطوان.

كان أول اتصال لي بسيمون فيل بديهي: لقد وُلدت بعد تسعة أشهر من اصدار قانونها الشهير سنة 1975. والتقيت بمناهضي الإجهاض الذين مازالوا مصابين بالهلع من هذا القانون بعد مرور عقود عن ولادتهم. كما لو انتابهم الشك في تواجدهم اليوم معنا في حالة ما استطاع آبائهم وأمهاتهم التراجع عن قرار ولادتهم ...

أشعر بالعكس تماماً. أحس باعتراف كبير جدا لقانون فيل. الأطفال الذين ولدوا بعد عام 1975، على الأقل، متأكدين من انهم كان مرغوب فيهم. لديهم حظ أكثر للمجيء في أسر مستعدّة لاستقبالهم. بعد اثنتي وعشرين عامًا من مجيئي إلى العالم ومقتنعًة تماما بفوائد هذا القانون، قمت بتأسيس مجلة للدفاع عن الحق في الإجهاض، وعلى نطاق أوسع، الدفاع عن الحق في الاختيار (بروشوا). فالعالم أحسن بكثير بفضل عدد أقل من الأطفال مرغوب فيهم أكثر وعن قناعة، بدلا من عدد كبير من الولادات "الربانية" أو غير الطوعية أو التي فرضت بالقوّة. لكن جمعية "مانيف للجميع" واتباعها مقتنعين بالعكس. هل الحياة لن تستمر الا اذا كانت باستطاعة العائلات التي لديها أب وأم فقط - كاثوليكية ، شقراء ، ترتدي تنورة وربطة الشعر؟ - تكوين أسرة.

لكلّ واحد معاييره. إذا كنت أحلم، مثلها، بفرض نموذج لي للوالدين على الآخرين، فإنني أُفضّل أن أحرم من حق الأطفال كل الآباء العنيفين أو الأنانيين أو المنحرفين. أيا كان مستوى دخلهم أو دينهم أو هويتهم الجنسية. وسيكون هناك تصاريح "لإصدار" الأطفال مثل تراخيص القيادة أو فتح الحانات. غير أن القضية أكثر خطورة. نتخيل الاتجار وإغراء بالرشاوي المواطنين المسؤولين عن إصدار هذه التراخيص. يستحيل على نظام يقوم على فرز من يمكن أن يصبح أبا او أمّا يوما ما ان يكون ديمقراطيا.

بفضل سيمون فيل، لن تحمّل أطفال عمليات الاغتصاب، ولن نرى النساء يموتن بسبب تسمم الدم لتجنب الحمل غير المرغوب فيه

لكن لا بئس، علينا أن نتحمل كل هؤلاء الأطفال المستبدين، العنيفين والمنحرفين، الذين ولدوا من أبوين عاجزين أو خطيرين، الذين لم يفقهوا شيئا في الأمر ولا ينبغي أن يتكاثروا. ولكن على الأقل، بفضل سيمون فيل، لن تحمّل أطفال عمليات الاغتصاب، ولن نرى النساء يموتن بسبب تسمم الدم لتجنب الحمل غير المرغوب فيه. أسوأ عبئ يمكن تحمّله لا بالنسبة لهم ولا بالنسبة للأطفال الذين لم يولدوا بعد، كما هو الحال بالنسبة لجميع أولئك الذين سوف يتحمّلون اضطراباتهم العصبية عندما يكبرون. لا يمكننا أبداً أن نشكر سيمون فيل ما فيه الكفاية على هذا القدر من الراحة، وعلى هذه الحياة الهادئة والمنسجمة وأقل انكسارا. لا شيء يحزن أكثر من أن نرى سيمون مُستغلّة في نهاية حياتها على يد نشطاء من جمعية "منيف لجميع" وهم يعبرون الرصيف بالصدفة ويضعون علمهم بين أيديها. لن تتمكن فرنسا البيتينية (نسبة لبيتين) من مراجعة التاريخ. ستبقى "سيمون فيل" للأبد على عكس عواطفهم النّتنة.

لم يستطع قط أحد اسكاتها

قابلتها عدة مرات حيث تبادلنا حول مخاوفنا بسبب مبادرة نيكولا ساركوزي بتغيير الدستور بإدخال تسمية يسمح من خلاله القيام بالإحصاءات العرقية - تحت ذريعة السماح بالتمييز الإيجابي، ولكن في الباطن، للسّماح بالرصد العرقي للمهاجرين. كل ما لا يمكن من مُرحّلة تُؤمن بالنموذج الفرنسي تَحمُّله. لقد وقفت صامدة واوصلت صوتها. تنبيهها على الأرجح قد منعنا (مؤقتًا) من هذا الانجراف.

ما عدا هذه الاجتماعات النّادرة، تعلمت على وجه الخصوص الإعجاب بها بسبب النظرة اليمين المتطرف البغيضة. كان موضوعي الأول للتحريات، عندما كان عمري 18 عاماً، متعلق بمناهضة الإجهاض. هكذا قابلت شريكتي، فياميتا فينّر، التي نشرت للتو كتابًا عن شبكات معارضة الإجهاض *. في المحكمة بالغرفة السابعة عشرة المكلفة بالجنح، حيث كان اليمين المتطرف يسحبوننا مرارًا وتكرارا، كانت تتعرض من قبل مناهضي الإجهاض لوابل من اللوم والتهديدات على أمل اقناعها بالتزام الصمت. لم ينجحوا. من خلال الانغماس في التحريات والوثائق، استطعت فهم العلاقة بين اثنين من الهواجس المستعصية بشراسة: كراهية النساء ومعاداة السامية. بالطبع، سيمون فيل تمثل كل ما يكرهه هؤلاء الأشخاص البغيضون. امرأة عنيدة حُرّة نجت من النازيين ورفعت رأسها وعملت خارج المخيمات وأقرت القانون الذي سيحرر النساء من قيود النظام "الطبيعي" والإلهي.

استطعت فهم العلاقة بين اثنين من الهواجس المستعصية بشراسة: كراهية النساء ومعاداة السامية

ما زلت أتذكر لهجة ومظهر ألماني مُسن "برولايف "(مؤيد للحياة)  قمت بمقابلته في الولايات المتحدة. على عكس العديد من اليهود الذين غادروا ألمانيا للاحتماء في العالم الجديد، ندم هذا الألماني على الزمن القديم، على الأقل منذ سقوط هتلر. فهو كان يحكم إحدى المنظمات الكاثوليكية الرائدة المؤيدة للحياة في أميركا وكان يخطط لفتح على المدى القريب فرع في فرنسا. وقع هذا قبل عشرين عاما. كنشطاء مجتهدين لبروشوا (الحق في الاختيار) ، وضعنا كل طاقتنا "لإجهاض" مشاريعه ... في ذلك الوقت، في مكاتبه في ولاية فرجينيا، كان يعتقد اننا متعاطفين معه فأخبرنا بأفكاره العميقة. لمجرد النطق بكلمة "فرنسا"، عبّر بفمه عن اشمئزاز صعد من بلعومه حتى كاد يتقيأ اسم سيمون فيل. تراجعت عيناه، ثم أضاف، "امرأة سيئة. جدّا. فهي يهودية. "
لا شيء يمكن أن يشيد بشخص وبشهامته أكثر من هذه المرارة المعوية الآتية من العالم القديم الذي فشل في كل شيء: إبادة اليهود واضطهاد النساء. كل ما هزمته سيمون فيل. عالم مازال يُهدّد.


* "معارضة الإجهاض: من اللوبي إلى الكوماندوز"،  فياميتا فينّر، دار النشر بيرغ انترناشيونال .


كارولين فوريست