الأحد، 9 أكتوبر 2016

عندما تذرف أعيُننا الدّمع على حلب


كان على طوفان من النار أن يعُمّ حتى نبكي على حلب. لقد أثارت الصحافة واقعة قصف غرنيكا. وتحدثت الامم المتحدة عن "جرائم حرب" بعد إعادة تصوروهم الهدنة الكاذبة للمرة الألف، فتدفقت الدموع، ووفدت أخيرا صرخات الاستغاثة، فاستيقظ حِسّنا واقشعرّ جلدنا. هل صرنا تحت تأثير البنج أم أصبحنا وحوشا؟ إن تقديم التوضيحات يستهوي دائما. فكُلّما ارتُكبت فظائع في منطقة الشرق الأوسط، تجدون عقولا وسيمة مستعدة لمحاكمة الديمقراطيات الغربية. لقد أصبح عكس المسؤوليات موضة شائعة.

والحقيقة هي أن الأسد وبوتين هم من يتحمّلان مسؤولية الفوضى في سوريا. لم نتوقف من الاحساس بالقلق، ولكننا وجدنا أنفسنا عالقون من كل ناحية. من قبل الطغاة الذين يقتلون شعبهم والإرهابيين الذين يهددوننا، وجزء من الرأي العام الذي يعلّق آمال انقاذنا من التهديد الإرهابي على الطغاة. بيد انهم يقومون بتغذيته.

معزوفة مألوفة

كاتّهام الديمقراطيات الإمبريالية عندما تتحرك لمنع المجازر، كما هو الحال في ليبيا. ثم لعنها عندما تتحفظ على التدخل. علينا أن نتذكر لماذا نحن، الى هذا الحد، عاجزون في سوريا. دعونا نعود إلى بدايات "الربيع السوري". حيث قام معارضين لنظام الأسد بالطلب منا ألاَّ نتدخل، خشية من أن يُنظر إليهم على أنهم عملاء الغرب أو اتهامهم بتلقي الدعم من المثقفين اليهود. لقد أراد برنار هنري ليفي، أن يتدخل. ساعد الجسر الجوي الذي صوت عليه الأمم المتحدة من تفادي مجزرة للشعب ليبيا. غير ان فرنسا ونيكولا ساركوزي ذهبوا بعيدا جدا. فمات الديكتاتور. وعمّت الفوضى في مرحلة ما بعد القذافي، كما يقع في كل المواقف الما بعدية. والتمست روسيا العذر لحماية الأسد من أي "تدخل".


حتى عندما بدأ الدكتاتور السوري يتجاوز كل الخطوط الحمراء، وتركه المجتمع الدولي يفعل ما يشاء، خوفا من وضع اليد في احدى التروس المسننة التي تتخبط فيها العراق أو ليبيا. فالتجاوزات السابقة للتدخلات الغربية، سهّلت الانزلاق في الافراط العكسي: فقام التدخل الروسي بإتمام ما تبقي. فمن دون الدفع بحقه في الفيتو ومن دون قنابله لأضحى عدد الوفيات في سوريا أقل بكثير وكدا عدد اللاجئين على شواطئنا.

المسؤولية لا تنتهي هنا

لم تكن هذه اللعبة الساخرة والقاتلة مُمكنة دون تواطؤ من أولئك الذين تناقلوا دعاية الكرملين إلى الغرب، في أقصى اليسار كما في اليمين المتطرف. فالجبهة الوطنية وحتى بعض اليمينين انهونا من التدخل في سوريا. فبالنسبة إليهم مساعدة المعارضة هو عبارة عن تسليح للإرهابيين الإسلامويين. كان مبالغا فيه في ذلك الوقت. لم يعد الامر كذلك اليوم ... وتحديدا بسبب هذا التراخي. فبسبب قلّة الدعم من الغرب، تراجعت قوات المتمردين الديمقراطيين لصالح المتمردين الجهاديين المسلحين من قبل الأتراك والمملكة العربية السعودية وقطر.

لقد أراد الأسد نفسه تناقل هذه العدوى ليصبح في مأمن من الأذى وبالتالي الحصول على "تفويض مطلق". كما قام بإطلاق صراح الكوادر الاسلاموية من سجونه لتسهيل القضاء بهذه الطريقة على أي بديل بينه وبين الجهاديين. وقد ساعد بوتين على تعفّن المفاوضات السياسية، من جهة، وتحديد أولوياته في قصف الجماعات المتمردة الديمقراطية من جهة أخرى. ما هو الهدف من ذلك؟ فهو واضح وساخر: شلّ المجتمع الدولي ووضعنا أمام الخيار المستحيل. الطاعون أم الكوليرا. الاستبداد أم الإرهاب. جرائم الحرب أو الهجمات الإرهابية. الرعب أم الرعب. هذا ما نحن عليه.

في غياب العزم الأمريكي، اتخذت الدبلوماسية الفرنسية الخط الوحيد الجائز: الدفع بطلب حل سياسي بدون الأسد وضرب الدولة الإسلاموية. دعم جزّار دمشق من شأنه القاء العار علينا، وفي نفس الوقت يُغذي دعاية أعدائنا. أما ضرب النظام السوري فسوف يُحَمِّلنا مسؤولية التروس المُسَنّنة.

فليس على الديمقراطيين الذين رفضوا هذه الحلقة المفرغة الجهنمية، الإحساس بالعار اليوم. بل هو الحال بالنسبة لأولئك الذين طلبوا منّا أن نختار بين الأسد وداعش. لأن أنانيّتهم وقصر نظرهم هما المسؤولتان عن الفوضى العارمة حاليا. فعدم وجود حل سياسي في سوريا، أطلق العنان للجهاديين. وبعدها قام السكان بالهروب إلى شواطئنا تحت وطأة الإرهاب والقصف... وهكذا تسنّى لليمين المتطرف المؤيد لروسيا... تأجيج الخوف من اللاجئين! فبالتأكيد، يعرف هؤلاء الأوغاد كيفيّة الانتصار على جميع الجبهات. 

كارولين فوريست

90  ماريان عدد من 07 الى 13 أكتوبر عام 2016


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق