الجمعة، 17 فبراير 2017

أزمة النظام بين مفهوم "التخلُّص" وحب الذات السياسية



كل ما في هذه الحملة ينتابه الجنون. لا يمكن لأحد أن يتنبأ العرض الأخير ولا العالم الذي سنعيش فيه وقت الاستحقاق. أصبح الناخبون من جهة يتمتعون بسلطة أكثر من أي وقت مضى: سلطة تعيين مرشحيهم الرئيسين. ومن جهة أخرى، بات تصويتهم مقيدا: بالجدول الزمني القضائي والأجندة الإرهابية والنتيجة المحصّل عليها من قبل الجبهة الوطنية في استطلاعات الراي. ووسط هذه الزوبعة، يجب علينا أن نميز بين ما هو ظرفي وما هو ناتج عن اتجاهات ثقيلة.

تشهد معظم البلدان موجة عارمة للتوجه الديمقراطية، تخدم على عكس التوقعات مصلحة الاستبدادية. ما قام بتسميته جان لوك ميلينشون "لوديكاجيزم" أو "التخلّص" فهو يسمح حقا بالتخلّص من الطغاة وتجديد الطبقة السياسية الديمقراطيات المغلّفة. ولكن لكل عملة وجها آخر. وبما أن الجزء السفلي من الهواء فهو نقي وحتى مخيفا الا أن الرياح تهب في أشرعة الغضب والانتقام، وتتحول الى رغبة عنيفة في تثبيت نظام ما. فنجد أنفسنا امام خيارين لما بعد الربيع العربي، اما الإسلاميون أو الجيش. بينما أمريكا أو أوروبا تتأرجح متردّدة بين اليمين المتشدد واليمين المتطرف.




بالطبع هناك استثناءات، على طريقة وجاستن ترودو، الوجه البشوش للتعددية الثقافية، ولكن أيضا وفي نفس الوقت للسياسة عن طريق الميراث. تأخذ هذه الظاهرة إذا اتجاها آخرا من هذا القرن: الرحلة الذاتية "لمدمنين الأنا". بقدر ما نتأمل في صورنا الشخصية، ونستهلك السياسة الشّعبوية، فننتخب مرشحين من تلفزيون الواقع، لا يفكرون الا في انفسهم، وأحيانا بالكاد يستطيعون دباجة برنامج رئاسي مركب من أكثر من 140 علامات (وهو عدد العلامات المسموح ارسالها عبر تغريدة التويتر). أما الوصفة القاتلة هي دونالد ترامب. فمفهوم "التخلُّص" مقرون بالرحلة الذاتية "لمدمنين الأنا" والذان يؤديان الى نتيجة غير قابلة للاستيعاب ألا وهي اقتراح مرشحين متشبعين بالشعور النرجسي والسُّخري المتزايد في مراكز السلطة... هذا عندما لا يكونوا هؤلاء المرشحين "الورثة".

في الحالة الفرنسية، قمنا أيضا بتدشين بعض المستجدات. وهذه هي المرة الأولى التي يقوم بها الحزب الحاكم وحزب المعارضة الرئيسي بتنظيم مرحلتين تمهيديتين للانتخابات. فهي أداة عظيمة لتجديد الجمهورية الخامسة، ولكن تأثيرها منطقيا يسارع في تكريس توجه "التخلُّص". في حين أن لرحلة الذاتية "لمدمنين الأنا" تتوزع خارج المرحلة التمهيدية. في النهاية، لدينا ملصق رائعة التنوع للانتخابات حيث لم يتعطل أي مرشح غير نمطي، ولكن حيث المرشحين الأقوياء والكثر صلابة غير ممثلين بشكل جيد.

في العمق نحن نعيش مرحلة انتقالية، في منتصف الطريق بين الجمهورية الخامسة والجمهورية السادسة مستقبلا، عشوائية تماما ومرتجلة. لم تُنتج المرحلة التمهيدية للانتخابات المرشحين الأنسب والقادرين على تحقيق الانتصار لأحزابهم، أي مرشحين الوسط، ولكن على مرشحين "تجمعيين" يجسدون على الخصوص انطباع جماهيرهم.

بينما يتحول العالم إلى فوضى، ويذهلنا الإرهاب وعودة عصا العنصرية الناتجة عنه والحرب في الموصل، وقفنا على طريقة تبادل آراء سريالية أحيانا. من جهة يتحدث اليمين كثيرا عن كيفية تخفيض عدد الموظفين في الإدارات. ومن جهة أخرى داب اليسار وبشكل ملفت للنظر الدفاع عن العائد "الشامل" أو كيفية العيش بشكل أفضل بعد مرور خمسة وعشرين عاما. انّها فقاعات حقيقية، حيث كل واحد يرضي خاطره على طريقته بما يشاء.

لقد ولّت فترة الأوقات الممتعة للمرحلة التمهيدية من الانتخابات ولحق بنا الواقع. فاتضح ان حزب اليمين انتخب اقطاعيا على رأس عائلة تستفيد من الاعانات، فبات وضعها حرجا للغاية عندما تقوم بمطالبة الفرنسيين بالتضحيات. اما حزب اليسار فقد ادرك أن مرشحه ليس لديه قدرة إقناع جان لوك ميلينشون للتخلي عن السباق الرئاسي، ناهيك عن إزاحة، بفضل عصا سحرية، المواضيع التي تفرضها علينا حتما الهجمات والجبهة الوطنية.

العبرة التي يمكن استخراجها هو ان دينامية الانتخابات تتواجد في الوسط وخارج الانتخابات التمهيدية. اليوم فهي تحمل إسما: إيمانويل ماكرون. غدا بعد هجمة ما، او تطور جديد في المستجدات القضائية أو تسريب من قراصنة الشبكة العنكبوتية، فسوف ربما يصبح اسمها فرانسوا بايرو. المرشح الذي يبدو أكثر صلابة، والذي يتوفر على ميزة عدم توليه مقاليد الحكم مؤخرا، ويؤمن بأن هناك "ثقافة فرنسية"، ويعطي انطباع تفضيل مصلحة الدولة على مصلحة الاعمال.

فالتشويق والمفاجآت أمور مضمونة. وفي جميع الحالات، فإن الشخص الذي سوف يفوز بالانتخابات الرئيسية ليس مؤهلا للتمتع بأغلبية واضحة بعد الانتخابات البرلمانية. بالإضافة إلى كل الأزمات التي نواجهها، فنحن نتجه مباشرة نحو أزمة نظام.

كارولين فوريست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق