السبت، 17 أكتوبر 2020

لن تنالوا من هاماتنا

 

 

 

سقط فارس. وتدحرجت رأسه. في هذا البلد قطعوا رؤوس ملوك وطغاة وبعض الثوار. من كان يظن يوما أن المعلم سيفقد رأسه، بعد أربعين عامًا من إلغاء عقوبة الإعدام، بسبب رغبته في جعل طلبته يُفكرون ويفقهون؟

هذا الانقلاب ذو رمزية كبيرة، يملئنا بالخوف. بعد تعرضنا الى العديد من الاعتداءات وسقوط العديد من القتلى، من المفروض أن نكون قد اعتدنا على ذلك. ومع ذلك فلا، بات الأمر ينتقل من سيء الى أسوأ.

الجمهورية تعلم أنها في خطر. كما كان الحال عندما سعت القوى الظلامية للإطاحة بها. فنحن مدينين للمعلمين والمعلمات، ولأساتذتنا، فبفضلهم نحن مواطنين مستنيرين وليس رعايا. مهاجمتهم هي مهاجمتنا جميعًا، هي مهاجمة العقل والأمل. يمكن للصحفيين التنبيه، ويمكن للشرطة الاعتقال، لكننا لن نخرج أبدًا من هذا الكابوس إذا لم يتمكّن الأساتذة من تحصين الجيل الصاعد ضد هذه الدعايات التي تمزقنا. التّرياق، كما نعلم، يتطلب شرح تاريخ هذا البلد بلا كَلَل، وكيف انتزعنا حرياتنا، وأهمية تحمل وتقبُّل الاختلاف والاستياء، والتجديف، وخرق المقدسات دون الرّدّ بالعنف. هذا هو أساس حريتنا في التعبير، وأساس كل الحريات النابعة عنها.

" من ليس حرّا لا يمكن أن يُكَوِّن مواطنين أحرارًا "

تجرّأ أحد النقاد الأدبيين على التغريد، في أعقاب الهجوم، بالتنبأ بحصد "وفيات مروعة" طالما يتم الدفاع عن الحق في التجديف، نقلاً عن أستاذة في جامعة بيركلي بالطّبع. جرأة تجعلنا نتردد بين التقيؤ والبكاء. فالقتلة هم من يتسببون في هذه الوفيات، وليس استخدام حرياتنا. إن تمرير الضحايا كجلاّدين هو ما يشجع الجلادين على إعادة الكرة. بات في غاية الأهمية وأمر عاجل تثبيت الفكر في مكانه الصحيح. كما على المدرسة العلمانية أن تصبح مهوسة بهذه البيداغوجية . إنه ليس انحراف أو تجاوز، إنه سبب وجودها، رسالتها المقدسة.

لتحقيق ذلك، تحتاج الجمهورية إلى كل فرسانها، ورثة فرديناند بويسون بروتستاني وماسوني، ناضل طوال حياته من أجل تمكين المدرسة العمومية العلمانية من تثبيت الروح النقدية وحماية طلبة الأقليات الدينية من التعليم المسيحي السائد حينها. وكان قد أصر على تأهيل المعلمين: "من ليس حرًا لا يمكن أن يُكَوّن مواطنين أحرار. "

أراد صموئيل باتي تكوين أرواح حرة. مات وقد تم قطع رأسه من قبل متعصب يبلغ من العمر 18 عامًا. من أقنع هذا الأخير أن المدرسة العلمانية اضطهدت المسلمين كما يُضطهد الأويغور أو الشيشان؟ من زرع هذه الفكرة في رأسه؟

هناك حاجة ماسة إلى مرصد حقيقي للعلمانية

وجه الأب التهمة إلى المعلم في مقطع فيديو، مدعيا أن صورة لرجل عارٍ من المفترض أن يُمثل محمد قد عُرضت على ابنته، قبل أن يناشد التجمع ضد الإسلاموفوبيا ورزمته. كان مجانبا للصّواب. يجب عليه وعلى أولياء التلاميذ الآخرين مسائلتهم في قضية تعريض حياة الآخرين للخطر. من الضروري أيضًا التحقيق لمعرفة ما إذا ساند مسؤولي المدرسة هذا الاستاذ  كما ينبغي، لحمايته من الخطرالمُميت الذي تعرض له.

ثم علينا أن نقرر، من اليوم فصاعدا قيادة المعركة الثقافية. وإجبار الشبكات الاجتماعية على ضبط التحريض الغوغائي على الإعدام. وتفكيك شركات التضليل الاعلامي مثل الجمعية المناهضة للاسلاموفوبيا في فرنسا CCIF و بركة سيتي  BarakaCity. يجب محاسبة أغبيائهم "المفيدين"، هؤلاء الحمقى الذين يزرعون الطائفية في قلوب الشباب ويُعلمونهم الاستياء من كل شيء، هؤلاء الصحفيون وهؤلاء السياسيون الساخرون الذين يمزجون بين حرية التعبير والعلمانية ومكافحة الإرهاب وبين"الحرب ضد المسلمين".

نحن في حاجة ماسة، من اليوم فصاعدا، إلى مرصد حقيقي للعلمانية. لرصد حملات التسمم هذه بدلاً من تناقلها!

لنبدأ بمطالبة جميع الطلاب ومعلميهم بمُشاهدة الفيلم الوثائقي لدانيال لوكونت حول محاكمة تشارلي إيبدو وقضية الرسوم الكاريكاتورية معًا: "من الصعب أن يحبك الحمقى والبهلاء". كل شيء قيل في هذه الجملة. كل شيء حُكي هنا. سوف يَفْقه الأطفال. وسنحارب البالغين الذين يريدون الاستمرار في غسل الادمغة. لن نفقد هاماتنا لأن المجانين يريدون انتزاعها. سنستمر في العيش والضحك والتفكير.

كارولين فوريست

https://www.marianne.net/agora/vous-naurez-pas-nos-tetes


الجمعة، 11 سبتمبر 2020

جيل مُتزمّت



 

الشباب أقل "تشارلي" من الكبار. يعتقد نصف أولئك الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا أن الصحيفة الساخرة "كانت مخطئة" في نشر رسوم كاريكاتورية حول "محمد". وفقا لـلمعهد الفرنسي للرأي العام، الذي أجرى هذا الاستطلاع، "يجب بلا شك أن يُنظر إلى هذه الحصيلة كنتيجة لتأثير خطاب "الاحترام "و" التسامح" تجاه الآخرين، وهو ما يترجم عند الشباب الى معارضة من حيث المبدأ لأي محتوى يُحتمل أن يكون مسيئًا للأقليات التي يُنظر اليها على أنها "خاضعة للسيطرة". رؤية مظلمة للتسامح الى درجة خدمة مصالح المتعصبين، وحتى العنيفين.


قرابة ربع عدد الشباب الذين تم استجوابهم لا يدينون صراحة بمنفّذي الاعتداءات. عليك أن تواجه هذه الأرقام وترفض التعوّد عليها. إنهم يرسمون عالماً متعصباً ومُتزمّتا، كما لم نعرفه منذ ما قبل مايو 1968.

 

خطأ مَن؟

خطأ من؟ أولا وقبل كل شيء لعولمة التصوّرات. يعيش الشباب تحت سيطرة "يوم القيامة" للشبكات الاجتماعية. إنه لا يستطيع الذهاب ضد التيار إذا ما صرخت القطيع بالاستياء. عندما تهين شابة شجاعة مثل ميلا دين رجل مُتديّن يسبّها باسم الإسلام، يشعر "المتسامحون" بالضيّاع.

 

إنهم يفهمون ميلا على أنها "مثلية" ولكنهم يفهمون بشكل أكثر أولئك الذين يهدّدونها على أنهم "مؤمنون"، وفي النهاية "يسمحون" بتغيير مدرستها الثانوية. حتى أننا بتنا نلاحظ في عالم الجمعيات ظهور مثليين جنسياً يمتنعون عن انتقاد الدين. إنهم يفضلون أن يفكروا في أنفسهم على أنهم "مذنبين" بغيضين، غير كاملين ومخطئين، من الاضطرار إلى الحسم بين عدة هويات.

باسم التقاطع، وخوفًا من تشجيع العنصرية، تعتذر النسويات عن كونها "بيضاء"، ولم تعد ترغب في شجب الاغتصاب أو التحرش إذا كان ناتجًا عن شخص "حُدّد عرقه".

 

لم يعد تلاقي النضالات، بل تلاقي الخضوع. انجراف يفضل تراكم الغيتوات أو المعازل على التحرر الجماعي، من كثرة التفكير في كل شيء من منظور مصطلح "الأقليات"، وليس "البقاء للأصلح".

 

سياسات الهوية IDENTITY POLITICS

خطأ من؟ إلى قراءة فوكولدية (نسبة للفيلسوف ميشيل فوكو) منفصلة عن ميزان القوى. للمثقفين المدفوعين الأجر من قبل الجامعات الأمريكية لاستيراد سياسات الهوية. للمؤثرات المُتزينات بالمساحيق في حلّة نسويات جدد ينتهزون فرصة مصدر رزق جديد. للأحزاب السياسية والمسؤولين المحليين المنتخبين الراغبين في استغلال هذا "القطاع". إلى الحكومات التي تواصل إرسال جان لويس بيانكو، الرجل الذي لا يعرف الفرق بين تشارلي ومغني الراب مدين، لشرح العلمانية في المدارس الثانوية. إلى المحافظين على التعليم الذين تخلوا عن الدفاع عن هذه الرسومات داخل الأقسام.

عليك أن تضيف ساعات من تدريس التاريخ والجدل والفلسفة لإعادة الروح النقدية إلى قلب المدرسة. من سيفعل ذلك؟ أصبح أمر عاجل.

 

كارولين فوريست

 

ماريان 11-09-2020

https://carolinefourest.wordpress.com/2020/09/23/generation-bigote/

https://www.marianne.net/agora/les-signatures-de-marianne/la-moitie-des-moins-de-25-ans-pense-que-charlie-eu-tort-de-republier-les

الأربعاء، 26 فبراير 2020

"جيل مستاء" من شرطة الثقافة إلى شرطة الفكر

 


"انها حكاية حالات الإعدام الغوغائية   الصغيرةالمألوفة، والتي ينتهي بها الأمر إلى اجتياح خصوصيتنا، وتحديد هوياتنا، وفرض الرقابة على تبادلاتنا الديمقراطية. انه طاعون الحساسية. كل يوم، مجموعة أو أقلية أو فرد ينتصب نفسه كممثل لقضية ما، يطالب ويهدد ويلوي الدراع.

في كندا، فرض الطلاب حذف درس اليوغا حتى لا يخاطرون "بالاستيلاء" على الثقافة الهندية. في الولايات المتحدة، يقوم البعض بتحقيق "مطاردة الساحرات" لتعقب قوائم الطعام الآسيوية في المقاصف وكذا منع تدريس الأعمال الكلاسيكية العملاقة من فلوبير إلى دوستويفسكي لأنها تعتبر صادمة ومعيارية. كما بات الطلاب يستاؤون من أدنى اختلاف في الرأي، حيث يعتبرونه نوع من أنواع "الاعتداءات الصغيرة"، إلى درجة المطالبة بـ "فضاءات آمنة". حيث في الواقع يتعلم الانسان الفرار من الآخر ومن المناقشة.

وبالتالي فحسب الأصل الجغرافي أو الاجتماعي، وحسب الجنس ولون البشرة، وبحسب التاريخ الشخصي للفرد، يتم بسببه مصادرة الكلام. ذلك التخويف الذي يصل إلى حد حذف الدعم للإبداع وفصل الاساتذة. وقد اعتقدت فرنسا مقاومة هذا الأوامر، ولكن هنا أيضًا بعض المجموعات تحاول حظر المعارض والمسرحيات ... غالبًا ما تكون مناهضة للعنصرية! تحولت شرطة الثقافة إلى شرطة الفكر. فانتشرت دعاوى "التشهير" بشكل مهول. وأصبح "التملك الثقافي" هو التجديف الجديد الذي لا يعرف الا دينًا واحدًا فقط: دين "الأصول". "

دون الرغبة في العودة إلى عقود مضت، تسطر كارولين فوريست هنا مسارًا نسويًا ومناهضًا للعنصرية وعالميًا حقيقيّا، يمكّن التمييز في نهب التكريم الثقافي.

كارولين فوريست "جيل مُستاء" من شرطة الثقافة إلى شرطة الفكر

https://www.grasset.fr/livres/generation-offensee

الاثنين، 24 فبراير 2020

"لا يجب أن نرى الاستياء في كل مكان"

 

 © يان كوربي / أباكا 

في كتاب قيّم، أبدت الصحفية شعورها بالقلق من جيل الألفية الذي يتعقّب أحيانًا دون استبصار العنصرية والاستياء والاستيلاء الثقافي.

المقابلة التي أجرتها المجلة  "ايل" (هي) مع كارولين فوريست :

ايل: كيف تُعرّفين مفهوم "جيل مُستاء"؟

كارولين فوريست: إن جيل الألفية، لطيف إلى حد ما، هو الذي يشعر أنه "يَقِض" ("woke " باللغة الإنجليزية) ضد التمييز، وهو أمر رائع. إلا أنه يمكن أن يقع في أي لحظة في غياهب الرقابة والإعدام الغوغائي إذا قيل له أن شخصًا ما ارتكب "تجديفًا" يُعتبر "عنصريًا" أو إذا تم اتهامه بخطيئة "الاستيلاء الثقافي" الذي يتمثل في رفض استعارة رموز ثقافة أخرى، حتى لو أردنا تكريمها ورد اعتبارها.

ايل: كيف انتقلنا من شعارات "ثمانية وستين" ( 1968) مثال "يُمنع المنع" "Il est interdire de interdire" إلى "جيل الإلغاء" (من كلمة "cancel " بالإنجليزية)؟

كارولين فوريست. ينجرف هذا "الجيل المُستاء" بسرعة. لا يأخذ بعين الاعتبار لا السياق ولا النوايا. إلى درجة الخلط بين كل شيء: الإجلال مع النهب. يعتقد أنه مناهض للعنصرية الى أقصى حد. في الواقع، تلتهمه أزمة الهوية. يود ألا تتحدث النسويات البيض عن الحجاب أو الختان، وأن الموسيقيين السود فقط هم من يغنون موسيقى الجاز، وأن يلعب في شخصيات الافلام ممثلون لديهم نفس الحامض النووي، ونفس التوجه الجنسي أو الهوية نفسها ...

ايل: هذا الارتباك الذي يتحول أحيانًا إلى ترهيب، هل تشجعه الشبكات الاجتماعية؟

كارولين فوريست: بكل وضوح. فعلى الإنترنت، أدنى جدل حول "الاستيلاء الثقافي" كفيل بإيقاد النار. أصبح النجوم يعتذرون من الصباح إلى المساء. كما أن العلامات التجارية التي تخشى المقاطعة تستسلم لأدنى ضجة سلبية. أحيانا دون وجه حق عندما يتعلق الأمر بالاستلهام من الثقافات الأخر والتمازج: وليس النهب. وأحيانا عن حق عندما تكون تستلهم منتوجاتها من نمط أو لباس تقليدي في تحدّ صريح لشكل من أشكال حقوق النشر.

ايل: إن ما تقولينه عن "ثقافة المضلومية" في الجامعات الأمريكية أمر مُخيف. هل فرنسا محمية إلى حد ما من هذا؟

كارولين فوريست: نحن نعيش في عصر يزرع المضلومية. أفضل طريقة لاثارة الانتباه هي أن تقول أنّك "مُستاء". إنه تعبير نسمعه طوال اليوم في الجامعات الأمريكية، حيث يشكو الطلبة من "الإنزعاجات الصغيرة" عندما يخاطر المعلم بجعلهم يفكرون أو "يضايقهم" لدرجة فرض "مساحة آمنة" ("safe space "). ففي بعض الجامعات المرموقة، يلتزم الأساتذة بتحذيرهم من المحتوى "المسيء" قبل دراسة الأعمال الكلاسيكية مثل:  "التحولات" لأوفيد. يمكن للطلاب الانسحاب من الدورة بشكل وقائي. في كندا، قام الطلاب بمنع درس اليوجا حتى لا يتم "الاستيلاء" على الثقافة الهندية! نحن نضحك على ذلك. في فرنسا، هذه الانتقادات موضع استياء ومثيرة للجدل. لكن الى متى؟ ان هذه الطريقة المتمثلة في رؤية الإساءة في كل مكان في طريقها الى جامعاتنا، من خلال الطلاب والمعلمين المتشبعين بالثقافة لا إستعمارية والانجلوساكسونية.

ايل: هل أنت كنت، مثل مجتمعنا، مهتاجة عاطفيا في وقت ما في حياتك؟

كارولين فوريست: لقد عانيت بدوري من هذا التطرف عندما كنت أصغر سناً. كنت قد اكتشفت للتو مثليتي الجنسية وعنف هيمنة الذكور. لقد عشت وما زلت أعيش بشكل سيء للغاية أدنى كلمة تذكر بالقاعدة أوالتنبيه. لكن بدلاً من الهروب من مناقشة الأفكار، قمت باستيعابها لإسماع الصوت آخر. آمل أن يقوم هؤلاء النشطاء على مر السنين بتوضيح أفكارهم وأن يرغب بإضافة وجهة نظرهم بدلاً من مراقبة أفكار الآخرين. يجب أن يعتز الشباب دائمًا بالحرية. ومن  أجل ذلك، علينا التحدّث معه.

"جيل مُستاء" (دار النشر غراسي Grasset) ، في المكتبات في 26 فبراير.


https://www.elle.fr/Societe/Interviews/Caroline-Fourest-On-ne-doit-pas-voir-l-offense-partout