الخميس، 14 فبراير 2008

المنشقين عن التيار الإسلاموي


لا يشتغل المنشقون في الظل ولا يوزِنون كلامهم. إنهم يقاومون. وإن فضَّلوا التبسيط عن الانسحاب. فقد رفض سولجينتسين التمييز بين اليوتوبيا الماركسية والشيوعية الشمولية المستبدة. هل كان ذلك دوره؟ كان يخدم مصلحة معسكر ضد آخر. وهل يمكن أن يكون الوضع غير ذلك؟ هل كان عليه مقاطعة أرخبيل الكولاك  (معسكرات العمل), هل رفض سماع صريخه بحجة بعض التجاوزات؟ أو على العكس من ذلك، كان من المفروض التنازل عن تسليط الضوء على هذه التجاوزات ذريعة للاتحاد المقدس ضد الاستبداد والشمولية؟ نفس الأسئلة تطرح نفسها اليوم عن المنشقين عن التيار الإسلاموي. فمنهم من خرج من الإسلام حتى لا يُقتل أو يجري توصيفه كخائن. ومنهن من أجبرن على الزواج، وارتداء الحجاب، وتحمُّل الشكوك والشتائم والسب. لقد قاومن. ولكن لتفضيل التمرد على الخضوع، يجب التوفر على مزاج صلب.

الصلب الذي لا نستطيع لويه بسهولة ليتسنى لنا صناعة السبائك. البعض يرفض التمييز بين الإسلام والإسلاموية. حتى انهم يتحدثون عن الفاشية الجديدة لأيديولوجية التي باسمها حاولوا اخضاعهم بطريقة استبدادية أو حتى شمولية. كيف نطلب منهم الاشتغال في الظل أو وزن كلماتهم؟ في كثير من الأحيان ليس لهؤلاء إلا أوروبا للصراخ. ففي كل ارجاء العالم، سوف يتم تكميم أفواههم.
ولكن حتى في أوروبا، يُطلب منهم التعبير بصوت خافت. فبعض اليساريين يخشون إثارة الكراهية والخلط، في سياق تعتبر كل كلمة ضد الإسلام من شانها ان تكون ذريعة للعنصرية. وبعض أنصار اليمين يحبون الاستماع لصراخهم ولكنهم لا ينصتون لهم. تلك اليمين التي تدّعي محاربة التعصب بتعقيد وتشديد شروط الحصول على وضع اللاجئ السياسي، بمعنى آخر، التي تطالب بإغلاق حدودنا للرجال والنساء الذين يفرون أحيانا من التقاليد والدين. فمن شدة تعبهم من ضرورة مقاومة الديمقراطيين من جميع المشارب إضافة لمقاومة المتعصبين، يجد بعضهم ملجأ في الولايات المتحدة. كالكاتب سلمان رشدي. كالنائبة الهولندية أيان هيرسي علي، والتي تشتغل اليوم هناك.

يبدو الخيار منطقي بالنسبة للمنشقين الشيوعيين. هو الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمنشقين من الإسلاموية. كجنة لرافضي الشيوعية، ليس لأمريكا القدرة على أن تصبح جنة للكافرين. أوروبا وحدها يمكنها أن تجسد أرض اللجوء. يتوقف مصيرها طبعا على تطور العلمانية في بولندا وتركيا، ولكنه يتوقف أيضا على تطور العلمانية في بريطانيا العظمى، وهولندا وفرنسا. فحالة أيان هيرسي علي هي واحدة من تلك التجارب التي تسمح لنا تصور المصير الذي سوف تختاره.

هذا هو مضمون السؤال الكتابي الذي تقدم به بينوا هامون   ثلاثة أعضاء البرلمان الأوروبي الاشتراكي لطلب الاتحاد الأوروبي تمويل حمايتها، أينما كانت. هذا هو الأمل الذي جسده اقتراح وزيرة الخارجية راما ياد  ، التي كانت ترغب في استغلال رئاسة فرنسا لتحفيز الصندوق الأوروبي تمويل حماية المفكرين الأحرار المهدّدين.
هذا الاتحاد المقدس لأوروبا الذي يقاوم التعصب يجب ألا يدفعنا إلى التخلي عن أي فوارق دقيقة أو وزن في الكلام؟ بالطبع لا. هناك العديد من الطرق لمحاربة هذه الشمولية الجديدة من التطرف. والمواقف جميعها ليست متساوية.

هناك من هم يناضلون ضد الإسلاموية باسم هوية قائمة على "جذور مسيحية" : النموذج المفترض حتى اليوم ل"الرابطة الوطنية". فهؤلاء لا يدافعون عن العلمانية، التي يريدون تليينها لصالح الشأن الديني. ليس لديهم أي شيء ضد الشأن الديني في حد ذاته، فإنهم يرونه حتى في قلب كل إنسان. انهم مناصرين للهوية المسيحية ويؤمنون باصطدام «الإسلام بالغرب."

معركتهم مختلفة جدا، وحتى معاكسة للعلمانيين أصليين، سواء كانوا متدينين أو ملحدين أو غنوصيين. هؤلاء يناضلون ضد تدخل الشأن الديني، سواء يهودي، مسيحي، مسلم أو بوذي. لكن الخطر المتزايد للإسلاموية هو الذي يجعلهم اليوم يقودون معركة خصوصا ضد الإسلاموية، وحتى ضد الإسلام، لأن الدين يستعمل كذريعة من قبل المتعصبين. هؤلاء لا يدافعون عن الهوية المسيحية ولكن عن العلمانية والعلمانية الفرنسية. إنهم لا يؤمنون إلا اصطدام "التعصب بالعلمانية".

فبين هذين الركنين، أحيانا تطمس الحدود. وخصوصا عندما تشتد الصفوف حول هؤلاء الذي يهددهم العدو المشترك بالقتل. فالمنشقين هم أنفسهم يبحرون بين الركنين وقد يبتكرون أعداء آخرون، دائما أكثر راديكالية. إن تقديم الطلب إليهم بالتزام الصمت من شأنه أن يجعل لنا شركاء من أولئك الذين يودون إسكاتهم. وتقديس كلماتهم، ورفض كل انتقاد في حقهم، من شانه "تهريبهم" من كل حوار ديمقراطي وجعلهم رموز. نحن شئنا أم أبينا، كنا متفقين ام لا مع فواصلِهم، علينا الدفاع عنهم ضد أولئك الذين يفضلون الصمت من اصدار أي خطأ نحوي. ولكن يجب علينا أيضا عدم تبسيط قواعد لغتنا. دور المثقفين هو النضال حتى يتمكنوا من التفكير مجددا وهم في مأمن من الخطر. وحتى من خلال تشجيع الاتحاد من حولهم. من دون قتل روح النقد التي نرغب فعلا إنقاذها.

للتاريخ: عندما تم نشر هذا النص، كانت أيان هيرسي علي تسعى للإيجاد الأموال لحمايتها. تخضع هذه النائبة الهولندية السابقة من أصل صومالي لتهديدات بالقتل منذ تصريحاتها الأولى ضد التيار الإسلاموي وخاصة منذ أن كتبت سيناريو الفيلم "الخضوع" ، و الذي قُتل بسببه المخرج السينمائي ثيو فان جوخ  . لقد قمت بإقناع بينوا هامون، البرلماني الاشتراكي لعرض في البرلمان مقترح لتمويل حمايتها من قبل البرلمان الأوروبي. وقام برنار هنري ليفي، الذي يعرف أيضا أيان، باحياء أمسية كبيرة للدعم في المدرسة العليا  عند مجيئه إلى باريس. وكان ذلك بحضور وزير الدولة لشؤون حقوق الإنسان راما ياد، وعددا من الشخصيات وحشد كبير ظل في الباب لعدم اتساع المكان. غير أن صندوق الدعم الأوروبي الذي اقترحته راما ياد في تلك الليلة، على الرغم من تغطية إعلامية قوية جدا، لم يرى النور. والمقترح الذي قدمه بينوا هامون لم يتم التصديق عليه من قبل عدد كاف من أعضاء البرلمان الأوروبي. ولتمويل حمايتها، لجات أيان حرسي علي لمفكرين أمريكيين المحافظين الجدد . هذه حقيقة محزنة بالنسبة لي ولكنها لن تمنعني من الاستمرار في مواصلة حملة احداث صندوق أوروبي لضمان حماية الأشخاص المهددين بالموت من أجل معتقداتهم ...


  كارولين فوريست في كتابها "عندما يتحلى اليسار بالشجاعة"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق