الجمعة، 10 نوفمبر 2017

من اجل الأكراد

تُنبّأ خيانة حلفائنا الأكراد عمّا لا يُحمد عُقباه. فأثار وقعها أشدّ من تنكّرهم لنا. انها بمثابة هزيمة. بالرغم من كل ما يُميّزهم، وفي نفس الوقت ما يُشكّل سبب الخلاف بينهم، قاتل أكراد سوريا والعراق معا ضد داعش، من اجلنا، وباسم نفس القيم التي ندعمها. ففي سوريا، المشروع الذي تحمله المحاربات المجيدات في "وحدة حماية المرأة" وإخوانهم في القتال "وحدات حماية الشعب" معارضا لرموز الظلاميين: انها مشاريع من قبيل المساواة، وحماية البيئة والعلمانية.

من المؤكد أنه على الرغم من كل مخاطر الدوغمائية المتأصّلة في اليوتوبيا، ما يُميّز جيب "روجافا" هي قدرته النّادرة في زرع بذور الأمل قلب صحراء دون مستقبل. فهي تجعلنا نؤمن بمشروع بديل للخيار المُهلك بين الديكتاتورية القومية والإسلاموية. مثل عُشبة بريّة تُعقّم مخزن القمح العتيد للعالم منذ عقود. وعلى بعد كيلومترات قليلة فقط، نجد قادة كردستان العراق، الذين أصبحوا رجال أعمال، تشوبهم أحيانا عيوب الانفصاليين. غير ان الكل أقرّ في جميع أنحاء العالم، مدى ازدهار اربيل، إحدى المناطق الفريدة في بلاد الرافدين القديمة حيث يحلو العيش.

تصويت العرب والتركمان من كركوك ب"نعم" لصالح الانفصال ليس من قبيل الصُّدفة. معظم سنّيي "المناطق المتنازع عليها" يفضّلون العيش تحت ديمقراطية كردية من العيش تحت وصاية بغداد الشّيعية المتحالفة مع طهران. وهم الآن تحت رحمة الميليشيات الشيعية بقيادة الجنرال الإيراني الذي جاء لمساعدة الجيش العراقي على استعادة المدينة وآبارها النّفطية.

البشمركة الذين دافعوا بشجاعة عن محافظة كركوك ضد داعش أعادوها دون قتال. تفاديا لسفك دماء لا جدوى فيها لأن ميزان القوى غير متوازن. مع العلم أن فرع من الاتحاد الوطني الكردستاني هو الذي فتح بوابات المدينة، مقابل صفقة شائنة يندى لها الجبين. فبعد ما تخلى عنه الجميع أعلن مسعود بارزاني تراجعه. وغضب منه الكثير لتحمّله مسؤولية هذا الاستفتاء والمخاطرة به صَوْب الاخفاق.

هل هناك وقت يُمكن اعتباره مناسبا للمطالبة ليس بالانفصال في حدّ ذاته، ولكن على الأقل التعبير عن الرغبة في الحرية؟ كما تم ترديده من قبل أصدقاء الكرد من قبيل فريدريك تيسوت، برنارد هنري ليفي أو برنارد كوشنر، "لن يكون ابدا الوقت مناسبا وفي نفس، الوقت هو دائما مناسبا". ترقّب الجميع أنه بمجرد تحرير رقّة، سوف يترك العالم الأكراد يواجهون مصيرهم بأنفسهم: فالوصاية العراقية توارت عن احترام الاتفاقيات التي ينص عليها الدستور. كانت اربيل مقتنعة تماما بان بغداد تُخطّط لهذا الاسترجاع منذ مدّة. وهذا ما يبرر السّباق ضد عقارب الساعة لانتزاع تصويت "نعم" لصالح الانفصال، صريح وعلى نطاق واسع، قبل بدء عملية التّفاوض. وبدلا من ذلك، ارسلت بغداد ميليشياتها ودباباتها - التي زودها إيّاها الجيش الأمريكي لسحق داعش – لاجتياح البشمركة. فتوقّفت صليل الدبّابات على بعد بضعة كيلومترات من أربيل. انقلاب الهدف منه فرض وحدة عراقية لا يؤمن بها أحد. غير انه ليس من المعهود ان تفوز الدبّابات بالقلوب. فهي لن تُنسيهم نسبة 92.7٪ التي صوتت لصالح استقلال كردستان.

لا يزال هذا الرقم راسخا في الادهان، مثل غنيمة حرب، مُقفل عليها في صندوق التاريخ. الكشف عليه يتطلّب ثورة الرّأي العام الدولي وجيل جديد من القادة الأكراد، تشملهم روح جديدة لتآلُف والوحدة. واذا لم يحضا أكبر شتات في العالم بدولة أو كونفدرالية، فالسبب في ذلك راجع أيضا الى انشقاقاتها - الثقافية والاقتصادية والسياسية - التي تحول دون مواجهة القوّتين اللتان على استعداد دائم لتحطيم الحلم الكردي: إيران وتركيا.

ليس هناك ما يبعث على الانزعاج أكثر من هذا التحالف بين نظام المُلالي، المصمّم على رسم قوس شيعي يَحُدّه البحر، ورجب طيب أردوغان، الذي يعتبر نفسه وارث سر الخلافة الجديد. أمريكا، التي فقدت صوابها بانتخاب ترامب، تركت الامر في مهب الريح. وأصبح العالم على حافة "فتنة" (إنقسام الشيعة) لم يسبق لها مثيل، فقد تُرك لحال نفسه دون شرطي ودون ضمانات، يعيش تقلّبات أكثر من أي وقت مضى. فماذا ستقوم به أوروبا الممزّقة من الداخل؟ وحتى فرنسا؟... شرفنا يكمُن في المطالبة بالاعتراف بكردستان في مجلس الأمن. السمّاح بالانقضاض على حلفاء القلب لن يجلب لنا السّلام. مكامن ضعف هذه سوف تُنمّي شراسة غول مرحلة ما بعد داعش. الا أنه علينا ألاّ ننسى أنّنا أيضا مُعرضين للخطر من قبله.

كارولين فوريست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق