الخميس، 3 مايو 2018

هذيان "الاستيلاء الثقافي"




هذه هي آخر مستجدات قلّة العقل والشطط في التفكير الرائج بين المجتمعات الأفرو طائفية وباقي تُجّار المضلومية. النداء ضد "الاستيلاء الثقافي" كلّما ظهرت مغنية بشعر المجدل. أو أفضل، عندما يحاول مغني هجين مثل برونو مارس غناء الفانك. فهو مُتّهم باللعب بغموضه العنصري" (والقصد هنا أصوله البورتوريكية وفيليبينية ويهودية) "لتجاوز النوع" والاستيلاء على ثقافة السّود. قبل سبعين عاما، تمت مقاطعة إلفيس بريسلي من قبل بعض أجهزة الراديو لأنه كان يغنى مثل "أمريكي من أصل أفريقي". اليوم كان سيُتّهم بنهب ثقافة السّود! وفقا للبعض، أصبح تعميم اليوغا شكلا من أشكال "الفضح" الثقافي. في كندا الناطقة باللغة الإنجليزية، فضل الطُلاب إلغاء سلسلة من الدروس المجانية للمعاقين خوفا من ارتكاب خطيئة الاستيلاء الثقافي! لا تضحك. انها خطيرة للغاية. هي أعراض مرض عقلي قادم من أمريكا تترقّب بشكل جاد شواطئنا المناهضة للعنصرية التّائهة.

وكما هو الحال غالباً ، فإن هذا الهذيان الجديد يتم الترويج له بشكل مشترك من قبل الشبكات الأمريكية القريبة من مؤسسة أوباما ومن الشبكات المحلية العزيزة على قطر. يلتقيا الاثنان معاً في كراهيتهما المشتركة للعلمانية وللحق في اللامبالاة. ولهذا السبب فإن قصد الشجب من "الاستيلاء الثقافي" لا يهدف العنصرية، بل يهدف الكونية.

هؤلاء حرس الحدود للهُوية ليسوا مناهضين للعنصرية. انهم التوائم لجيل الهوية. هؤلاء النّازية الصغار العُزّل. فهم باعتبار أي تقاسم وأي خليط للشعر أو للموسيقى "استيلاء ثقافي" يُجزؤون ويعزلون.

يسخر كثير من مستخدمي الانترنت منهم. فالنشطاء المناهضون للعنصرية يخشونا فعلاً هذا النوع من التّرهيب الفكري الذي يغلي في الأوساط الأكاديمية المشكوك في أمرها والمعروفة باسم "راسيزي"
racisé.es »  « . غير أن الجيل الجديد يسقط بسهولة أكبر في الفخ. لإنه خائف جداً من التعرض للاتهامات بالعنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي ويستسلم عن طيب خاطر لبياناتها، كما يحظر على نفسها حتى التفكير في مواضيع تخص هذا الشأن. حتى العلامات التجارية أقل شجاعة وتستسلم لمجرد ثرثرة غبية رُوّجت على شبكة الإنترنت.

لم تنتظر" زارا" مرور يوما واحدا حتى قامت بحذف من السوق جواربها المستوحاة من قبيلة كزوزاس في جنوب أفريقيا. حملة صغيرة على تويتركانت كافية لتحريك زوبعة. لكن مع الأسف لن تساعد القبيلة في شيء ! بينما، أج + (AJ +)، آخر عنقود مجموعة الجزيرة التي ساعدت على نقل الجدل، حقّقت دعاية واسعة النطاق على حسابهم - ومجانا -. يتم تقديم AJ + من بين "وسائل الإعلام الشاملة" يستهدف جيلا مُتّصلا ومُنفتحا على العالم. ومن المعروف أن الشركة الأم القطرية معروفة بانفتاحها على دعاية تنظيم القاعدة. فشقيقتها الفرنسية الصغيرة  أج + تضم خاصة ليآنديجانيست (وهي جمعية ثم حركة سياسية ظهرت في فرنسا سنة 2005 تحت شعار "ضد العنصرية وضد الاستعمار") المؤيدين للإسلامويين والمدافعين العُمي عن طارق رمضان. وهي مثلها مثل أي قمر صناعي قطري، لديها الامكانيات لتحقيق طموحاتها وتقديم التوضيح لنا حول رؤيتها "للاستيلاء الثقافي" عبر مقاطع فيديو صغيرة مفيدة ومعبّرة.

مؤسسة "سيونسكورل"(
Sciencescurls ) – وهم مجموعة طلبة جامعة العلوم السياسية الذين على ما يبدو وبكثرة قهرهم أصبح شغلهم الشاغل في الحياة هو شعرهم - تشرح لنا لماذا تشعر بالإساءة عندما يقوم البيض بجدل شعرهم " جدل الشعر أمر مسيء لأنه الحقائق الثقافية قد تمحى تمامًا وتصبح مجرد متعة أو محطّ سخرية. وهذا يعني أن ثقافتي تصبح لباسا تنكّريا. هذا يعني أننا نستطيع اقتحامها والخروج منها وهذا الامر في حد ذاته عنيف جدّا". هذا كل ما في الأمر. ما لا يطيقه دعاة التّأصيل هو "مرونة" الهوية. القدرة على "الدخول" و "الخروج" من ثقافة ما، والّلعب برموزها، دون تلقّي أي دعوة تُرخّص او تسمح بذلك.

وهذا ما تطالب به تانيا دي مونتين في مقالها الأخير، "الاستحضار" (الذي نشرته دار النشرغراسيت)، بقلمها المليء ولاّذع المعروفة به. طالما كانت من احدى الصحفيين السود القلائل في المشهد السمعي البصري الذين يسخرون من هذه الآليات التوأم مثل العنصرية "العادية"، وهذه الطريقة الضيقة والمختزلة للتفكير حول هُويّة الأقلية. فلن تفشل مناهضتها العالمية للعنصرية في إثارة مهوسين بالهوية. بئس لهم ولأعمالهم الرخيصة. لا يمكن محاربة التحيز الا عن طريق حرية التفكير والتشكيل والاختلاط وحتى تمشيط الشعر.

كارولين فوريست
TRADUIRE DAVANTAGE

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق