السبت، 4 أغسطس 2018

الجامعة ضد الكونية




في السابق، كانت الجامعة تشكّل هيكلا عموديّا، حيث يتم نقل معارف مُقنّنة والمزج بينها وبين المعارف الكونية، دون حتى مسائلة فحواها. اليوم، باتت الجامعة أكثر ديمقراطية. وأصبحت أفقية، مليئة بالندوات والمدرسين الذين يجتهدون في دحض كل شيء، وأحياناً حتى ما هو أساسي: كالفكر النقدي، ونقل المعرفة والتطلع إلى الكونية.

لا يمر أسبوعا دون أن يتم مهاجمة مُحاضر كوني أو إلغاء برمجة محاضرته في كلية ما. في هذا الأسبوع، كانت قضية فتيحة بودجاهلات وكريستين لو دواري مدعوّتان لمناقشة "ملامح نسوية كونية" في مدينة نانتير. موضوع جميل. تم حذف أسمائهما تحت ضغط أعضاء المجلس العلمي للمؤتمر الدولي للأبحاث النسوية في الفرنكوفونية، التي أُطلقت اشغالها منذ اثنين وعشرين عاما في كيبيك (كندا) وهي مليئة بالتعددين الثقافيين ذوي الحساسية المفرطة من النّموذج الفرنسي. تقرر عقد المؤتمر المقرر في أواخر أغسطس دون حضورهما، قرار أحادي. هكذا الحياة الجامعية منذ تقديم عرض شراء ناجح من قبل التجمعات الطائفية حول البحوث النسوية و/ أو المناهضة للعنصرية.

في انكلترا، العدد القليل جدا من مُمثّلي الفكر الكوني مثل الإيرانية مريم نمازي يتعرضون لإلغاء برمجة محاضرتها بانتظام أو الى هجوم من قبل الطلاب والمدرسين المؤيدين للأصوليين، الذين يقومون بإهانتهم وتهديدهم. أنا بدوري لا أستطيع أن أتدخل دون المخاطرة باقتحام متعصبين المناقشة ومقاطعتها ومحاولة مهاجمتي. ودعونا لا نتحدث عن القلق على سلامتنا منذ تاريخ أحداث 7 يناير 2015.

لا يمكن لأصدقاء تشارلي القاء كلمة دون تواجد أجهزة أمنية هائلة ومُكلِّفة. قد يكلف حوالي 20 ألف دولار تأمين المؤتمر العام لعضو في صحيفة في إنجلترا أو الولايات المتحدة، حيث لا تُوفّر الدولة الحماية للأشخاص المُهدّدين بالقتل بسبب وجهات نظرهم. يكفي القول انّ جل الكليات يفضّلن دعوة شخصيات أقل تكلفة وأقل تعرّض الى التهديد، مثل المجموعات الطائفية، التي بالإضافة الى كل ما ذكرته تتوافق مع نموذج فِكرهم.

في السنوات الأخيرة، أصبحت المدرّجات مسارح حزينة حيث يتم إنتاج عروض مناصري الطائفية الفكرية والأصولية والتآمر والتحريض على الكراهية. بدعوة من مجموعات طُلابية وطارق رمضان وديودونيه ولكن أيضا مُنكري الإبادة الجماعية للأرمينيين الذين استطاعوا تقديم عروض الكلاكيت في مدرّجات الجامعة "الحرة" في بروكسل، والتي أسسها الماسونيون ... للدفاع عن حرية الامتحان! على العكس من ذلك، محاضراتي ضد الأيديولوجية الأمنية أو التطرف توقفت بعنف من قبل الطلبة المتطرفين، كما هو الحال في عملية "البرقع بلاه بلاه"، بقيادة مُدّرس قريب من ليآنديجان المملكة، أي ما يعادل ليآنديجان الجمهورية بفرنسا. انتهى الأمر بمعاقبته. لكن هناك أساتذة آخرون، لا يزالوا في مناصبهم، مسؤولون عن فرض الرقابة على أي متدخل كوني، كما هو الحال في نانتير.

علينا الخضوع للأمر الواقع. تحت الأثر التراكمي للتهديدات البدنية الصادرة عن الأصوليين وتسللهم قلب ميدان التدريس والبحث، فَقَد الكونيون "حق المواطنة" في الجامعة. بهدوء ووراء الكواليس، تحولت عملية التفكيك والهدم الفكري الضرورية لنشر أيديولوجيتهم الى انتقام. أصبحت الشبكات الجنسانية الواعدة (
gender studies) لا تخدم هدف كسر الهيمنة الذكورية بقدر ما تعمل على استيراد الفكر الأنجلوسكسوني المتعدد الثقافي الكاريكاتيري، الذي يُدافع عن "الحصص" العرقية والحلفاء الأصوليين، ويتّهم بالعنصرية أي شخص تجرأ على الدفاع عن رؤية أكثر علمانية وكونية. ببطء ولكن بثبات، هذا الرقيب الطائفي - المُمثّل بقوة في مركز الدراسات العليا للسوسيولوجية (EHESS ) ونورمال سوب وبالطبع في كلية باريس VIII – يُعِدّ لنا في المستقبل نخبة أصولية رجعية وجنسانية. تمتلك الإنترنت منذ مُدّة كما تمتلك بقية العالم لتبعث فينا سُمّها. هل من الضروري حقا ان تُصبح هذه الأماكن المخصصة للتعليم ونقل المعرفة بمثابة محطّة لإرسال أفكارها؟ وهل من المعقول في نفس الوقت مُمارسة الرقابة على الأفكار النسوية المضاضة؟ بهذا الشكل وعلى هذه الوثيرة، باتت المعركة الفكرية مُنهزمة. لقد أعذر من أنذر. على الكونيين البحث عن أماكن أخرى كالفن أو الثقافة  لخوض معركتهم.

كارولين فوريست

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق