الأحد، 29 يناير 2017

ترامب في مواجهة أغبى يسار في العالم



 انه مشهد مؤلم. أن نرى دونالد ترامب يستقر بالبيت الأبيض. ما الذي أوصلنا الى هذا الموقف؟ هناك أولا قوة تسونامي "دعونا نخرج المنتهية ولايتهم". أيّ شخص لديه صلة عن قرب أو عن بعد بالحكم، بغض النظر عن عملية التقييم للنتيجة يبدو أن عليه "أن يُطرد". هذا التنظيف الربيعي مُتحمّس عندما يتعلق الأمر بطرد الحكام المستبدين. لكن ليس عندما يتم اهانة علنيا شخصا تولى مسؤولياته، بكل شجاعة وحنكة. 

فالعامل الآخر الذي وراء انتخاب ترامب له صلة بالعامل الأول: الارتباك الفكري الذي يعرفه عصرنا. أصبحت لدينا ديمقراطيات اديوكراسية أي أن الحكم اصبح بأيدي الأغبياء كما هو معروض في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم. لم نقم بقياس مدى تأثير عولمة الأخبار الزائفة على الديمقراطيات التي تعتمد أساسا على الثقة في الخبار. الوقت الذي سنستغرقه في تطوير التفكير النقدي الجديد ووضع الحقائق في نصابها، سنجد حينها مُعظم المناورين يتزعمون الصدارة. ففي زعزعة الاستقرار، تكون الأنظمة أكثر الاستبدادية في كثير من الأحيان على السبق. فالإيف ايس بي او الهيئات التابعة لجهاز الأمن للإتحاد الروسي استطاع تحديث المعارف القديمة لل كا جي بي KGB هيئة أمن الدولة أوالمعروفة بالمخابرات الروسية. ادرك غيراسيموف، رئيس أركان الجيوش ااتحاد الروسي، كيفية المضي قدما لتحقيق أهدافه من خلال استخدام الوسائل "غير العسكرية"، وفي هذه الحالة من خلال تأثير الانترنت. فيكفي اغراق آراء الديمقراطيات تحت أخبار كاذبة، "بديلة تحت إسم "إعادة الاخبار" من أجل إرباك وتقْويض الثّقة في الصحافة والمؤسسات، ليُلقي بها في أحضان المتطرفين ... الذين هم أصلا مُمونين من قبل روسيا.

فترامب هو الورقة الرابحة والضحية المثالية على حد سواء من هذا النوع من الدعاية، المتمتمة الآن انطلاقا من المكتب البيضاوي.

 أمر مُخيف حقا. كنّا نتمنى استيقاض وصحوة اليسار الأمريكي. للأسف، فتلك التي سمحت باستقرار اليمين الأكثر غباء في العالم ليست هي الأخرى أكثر ذهاء. لأن هيلاري كلينتون تُجسد كل من اليسار الأكثر ليبرالية والأكثر سذاجة اتجاه الإسلاموية الذي خوّل لترامب اقتحام هذا العالم المهدد بفعل العولمة والإرهاب. لكن،هل معارضة ترامب ستستوعب أي درس من كل هذا؟ 

الطريقة التي سارت عليها الأمور في "مسيرة النساء" لا تدعو للإطمئنان. مبادرة جميلة، وغالبا ما تكون مسلّية وضرورية ولكنها كانت متسرّعة. فللأربعة ملايين من المتظاهرين معنى لو انهم خرجوا بعد ما قام ترامب بالتوقيع على مذكرة الموت للمنحة التي تقدمها الدولة لتنظيم الأسرة في الخارج. أمّا من قبل، فكانت توحي غالبا  بالمشي ضد انتخاب ترامب. ولكن، وقبل كل شيء، هل كان ولابد، كما قامت بها مُمثلة من الممثلات، ارتداء الحجاب لمواجهة عنصرية ترامب؟ في الحشد،رأينا الشابات البيضوات الأنغلوساكسونيات والبروطيسطانيات وهنّ متحمسات لفكرة وضع الحجاب بالألوان الأمريكية. الأخريات قُمن بنشر صُور المرأة المحجبة في الفايسبوك لتعبير عن "نحن الشعب". طريقة لطيفة لاستبعاد، من الشعب النسوي، تلك التي تعتقد ان بإمكانها ان تكون مُسلمة دون ارتداء الحجاب. فمنى الطحاوي، وهي كاتبة نسوية التي تصف نفسها بأنها "مسلمة مصرية أمريكية التي حاربت الحجاب لمدة 8 سنوات حتى توقفت عن ارتداءه "  تنصّلت من هذه اليافتة. 

لأن المنظمون اختارو معسكرهم: أي معسكر المحجبات. هي التي كانت تتحدث باسم "النساء المسلمات" على مسرح المسيرة النسائية ضد ترامب. بنفس طريقة زهرة بيلو، المديرة التنفيذية لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. هذا المجلس الذي وُضع على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. رسالتها تتلخص في بضع كلمات: فضح على نفس المستوى "مراقبة المسلمين من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي " (حتى المتهمين بالإرهاب؟) والجرائم ضد المثليون جنسيا أو السود ... رسالة مقصودة من قبل أحد أربعة منظمي المسيرة النسائية ومنصبه مؤخرا: ليندا صرصور(التي سمحت لنفسها شتم وقدف آيان في تغريدة يستحيي الانسان قرائتها لما تتضمّنه من فضاعة تعبيرية ولغوية ومن شتم لا إنساني في حق هذه الخيرة. فقد اعتبرت " ان بريجيت غابرييل مثل آيان هرسي علي، تتستحقّ ما حدث لها (...) وانها تود استاصال مهبلهما هما الاثنان بنفسها وانهما لا يستحقان ان يكونا نساء". وتجدر الاشارة هنا ان  آيان تعرضت لعملية ختان الانات في صغرها).







 فليندا صرصور محجبة أيضا، اخدت الكلمة باسم "مسلمة فلسطينية غير معقّدة" لتتحدث عن "جاليتها" وعائلتها المنفيّة في الولايات المتحدة بسبب التزامها مع حركة حماس. معظم الشخصيات المهمّة من اليسار الأميركي قاموا بتقديم الشكراليها علنا ​​"لتنظيمها للمسيرة". فأصبح هاشتاج الحشد  "اتمشى مع ليندا" (#JeMarcheAvecLinda). انّه تصوّرا لطيفا. استمروا على هذا الحال وسيستقر ترامب لمدة ثماني سنوات.

كارولين فوريست




الاثنين، 16 يناير 2017

"يمين فييون، لا يدافع عن العلمانية الاّ لمواجهة الإسلام وليس باقي الدّيانات"





كارولين فوريست: "يمين فييون لا يدافع عن العلمانية الاّ لمواجهة الإسلام"
كاتبة، ومؤلف كتاب "عبقرية العلمانية"، تطلب من اليسار الفرنسي عدم التخلي عن محاربات التعصب الديني.

مقابلة  قام بها توماس ماهلر

هل العلمانية والإسلام يمثّلان إنقساما إيديولوجيا أكثر أهمّية، وربّما اشد، من النّقاش الاقتصادي داخل اليسار الفرنسي؟ هل يمكننا، كما فعل فنسنت بييون، مقارنة "اليهود الذين فرضت عليهم وضع النجوم الصفراء" ب"عدد من المواطنين المسلمين"؟ هل للجبهة الوطنية مصداقية عندما تُنصّب نفسها بطلة للعلمانية؟ مؤلفة "عبقرية العلمانية" (غراسيه)، الكاتبة كارولين فوريست تُفسّر لنا لماذا العلمانية هي "إحدى البوصلات الحاسمة" في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لوبوان: هل هناك يسارين "لا يمكن التوفيق بينها" عندما يتعلق الامر بالعلمانية والإسلام؟

كارولين فوريست: رُبّما  يعود هذا بالنفع على هذه الانتخابات الرئاسية ويساعد على تأطيرها، حيث يتم التصويت أكثر تحت تأثير احتمال هجوم إرهابي، من معرفة هل باستطاعتنا الإقدام على تغيير ،ام لا،  قانون ماكرون. فمحاربة الإرهاب تتصدّر اولويات الفرنسيين، بدلا من موضوع مُكافحة البطالة. وأنا واثقة أنه في المرحلة النّهائية، خاصّة إذا تمّ ضربنا مرة أخرى، فسيكون التّصويت الفرنسي أساسا لصالح المرشّح الذي يُطمئن أكثر من غيره. حينها، ستصبح العلمانية إحدى البوصلات الحاسمة في هذه الانتخابات، وربّما لسنوات. نعم وللأسف، هناك يسارين لا يمكن التوفيق بينهما حول العلمانية. ولا يتعلق الأمر بالفروق التي قد تتعرض اليها مفاهيمها من قبل اليساريين أو الاختلافات البسيطة المتعلقة بتفسير مقتضيات قانون سنة 1905 لمعرفة كيفية ومدى تطبيق مضامينه: من قبيل هل سيمتد واجب الحياد الى الأمّهات المرافقات في المدرسة أو التشريع حول الحجاب داخل الجامعة ، الخ. نعم هذا النقاش مُحفّز للغاية وضروري بين مواقف قد يبدو من المستحيل محاولة التوفيق بينها. غير أن الخطّ الأحمر، والذي يستحيل التّوافق عليه، هو عندما يقوم بعض اليساريين، في غالب الأحيان المتعصّبين منهم، يقومون بالخلط بين الأصوليين المسلمين و"المعذبين في الأرض"، فيقودون حملة بمعيّة الجماعات الأصولية ضد قوانين مكافحة الإرهاب أو يشجّعون خلط العلمانية مع "اسلاموفوبيا الدولة". فإن هذا الأمرلا يمكن اعتباره اختلافا بل أصبح خيانة مطلقة للمُثل العليا التي ترتكز عليها التقدمية، ممّا يُعرّض للخطر النّسوية والعلمانية، كما يعرّض للخطر كذلك حياة الذين يدافعون عنها.

لوبوان: داخل الحزب الاشتراكي، ما هو وزن "الطرفين" بين، من جانب "جمهوريين" و "متشددين علمانيين" ومن جانب آخر مناصري «التعددية الثقافية" أو "العلمانيين المتفتّحين"؟

كارولين فوريست: يعتبر اليسار الاشتراكي الفرنسي، اليسار الأكثر علمانية في أوروبا. أسافر كثيرا لإلقاء المحاضرات حول العلمانية. وألتقي مرارا بأيتام العلمانية الذين ينتابهم اليأس من يساري الإنجليز (جيريمي كوربين وهو من الواضح ما نسميه أحيانا "الاسلامي اليساري"، والموالية لإيران وبعض الجماعات السنية الأصولية)، ومع اليسار البلجيكي (الذي ترك مولينبيك تتحوّل الى ما هي عليه اليوم)، واليسار السويسري (الذي طالما ما تم إغرائه من قبل طارق رمضان) والألماني (المُنهمك في الدفاع بسذاجة عن التعددية الثقافية) ... ففي جميع البلدان الأوروبية تقريبا، تخلى اليسار تقريبا بصفة نهائية عن محاربة الأصولية، عندما لا يحاول التملق لسلوكيات دينية رجعية لكسب الأصوات في بعض الأحياء. ان الحزب الاشتراكي الفرنسي، وحتى في بعض الأحوال، هو الحزب اليسار الأكثر قدرة على مقاومة هذا الإغراء. كلّما أعطيت محاضرة حول العلمانية بدعوة من الحزب الاشتراكي أرى النشطاء على اختلاف توجهاتهم يقفون ويسفقون بحرارة حتى لا يتخلى اليسار عن هذه المعركة.

وبطبيعة الحال، فالذي يأتي بعد ذلك يعتمد كثيرا على مرشح الانتخابات التمهيدية. لو كان هذا المر يعني المرشح الذي سوف يُدافع عن العلمانية، فسيظل اليسار الفرنسي فريد من نوعه وحتى ربّما يُلهم مقاومة الإرهاب الأكثر تقدّما في أوروبا. أمّا إذا تمّ اختيار المرشح الذي يَعتقد أنه لا ينبغي التفاعل المفرط مع هذه المواضيع لتجنب فقدان الناخبين المسلمين، فسوف ينضمّ إلى قائمة طويلة من أحزاب اليسارالأوروبي المستعدّة  ان لا تتعرّض طريق التاريخ وتتركه يأخد مساره دون ان تحرك ساكنا. لانّها لا تعتبر نفسها مَعنيَّة بكفاح هذا الجيل ضد التعصب.

لوبوان: لقد قارن فنسنت بيلون استخدام العلمانية من قبل البعض اتّجاه المسلمين  بالنجمة الصفراء التي فُرضت على اليهود. ما رأيك في هذا النوع من الحجج؟ هل هذا تكتيك لتمييز نفسه عن مانويل فالس، في حين كان بيلون هو مصدر ميثاق العلمانية، وهو من ألف كتابا عن فرديناند بويسون، مؤسس العلمانية؟

كارولين فوريست: لسان فنسنت بيلون، وهو ضليع في هذا الموضوع غالبا ما أخطا. ولكن لماذا هذه الزلة؟ فمُنذ عودته إلى الحياة السياسية، في الواقع، يبدو أكثر قلقا بشأن الاكتراث بالعلمانية عن قلّة الإهتمام بها  ... ربما ليتّميّز عن فالس، ربما لأنه يرى في حزب الجبهة الوطنية خطرا أكبر من الإسلاموية. ومع ذلك، فقد اختفى عن السياسة الوطنية لمدّة عامين تعرضت فيها البلاد أكثر من أي وقت مضى الى كدمات عنيفة من قبل الإرهاب. وعندما يعود، فهو يرشّح نفسه لمنصب القيادة العليا، أي من عليه حمايتنا وطمأنتنا في حالة الهجمات. وماذا قال؟ إدّعى انّ المشكلة الحقيقية في هذا البلد هوالتخوف من أن يُعامل المسلمين كما تمّت معاملت اليهود في السابق... فهذا الامرأعتبرغير مقبول ولا يدعو للإطمئنان.

لوبوان: ندّد بدوره  بينوا هامون، الذي أحدث اختراقا في استطلاعات الرأي، أنّ نوعا من العلمانية أصبحت موجّهة ضد المسلمين كما صرّح بعد قضية المقاهي غير المختلطة في سيفران، أن "تاريخيا، لم يكن يُسمح للنّساء ولوج مقاهي العُمّال" ...

كارولين فوريست: هذا خطأ، ولكن مرة أخرى خطأ مُعبّر. على الرغم من أنه يدّعي أنه يحارب كلاهما، فبينوا هامون هو الآن أكثر قلقا حول مخاطر القيام بالخلط ضد المسلمين من صعود التمييز على أساس الجنس في ضواحي المدن. ربما لأنه يهدف في المقام الأول إلى أن يعاد انتخابه كنائبا لبلدية"تراب" ... على أيّة حال، فمفهومه للحركة النسائية أكثر أريحة عندما يتعلق الأمر من طلب الاستعطاف من أجل جاكلين صوفاجيه من أن يتعلق الأمر بشجب التمييز على أساس الجنس في الضواحي أو تلك التي تمارس باسم الإسلام ... فأول ردّة فعله هو الشجب والتقليل من أهمية "العلمانية المشكوك بها" أو حتى "تهجيج الهستيريا حول الإسلام". هذا هو الحال بالنّسبة لمدير حملته الانتخابية وخاصة الناطق باسمها، ألكسيس باشلي، الذي يلعب دورَ أسوء ما قمنا به للدفاع عن العلمانية داخل الحزب الاشتراكي. ولم تمر سنة تقريبا على الهجوم الذي تعرّض له تشارلي، حتى قام بالاحتفال بطريقته بهذا الحدث الخاص من خلال تنظيم مؤتمر بمعيّة حركة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا" ضد حالة الطوارئ في مدينة جينيفير (التي دفن فيها أحد اخوان كواشي).

لوبوان: من جانب آخر، هل يتعمّد مانويل فالس "التصعيد" العلماني، بعد ما قام بدعم، على سبيل المثال، قرارات رؤساء البلديات من حزب اليمين، التي أُصدرت حول مكافحة البوركيني؟

كارولين فوريست: حتى لو قام بها عن حسن نيّة (فعلينا عدم التهوين من أهمّية هذه النقاشات أو الاستهانة بالعواطف بعد تفجير نيس)، فهذا البيان لم يكن لبقا . ولكن على عكس ما قرأته أكثر من مائة مرة، فمانويل فالس لا يقترح لا حظر الحجاب في الجامعة ولا حظر البوركيني في الشواطئ. من حيث القانون، فهو يدعوا الى ضرورة التمسك بمقتضيات قانون 1905 وتوازنها. ورغما عن ذلك، فمن حيث المعركة الثقافية التي يجب أن تُخاض ضد التعصّب، فهو، وبدون نقاش، أحد المرشحين الأكثر عزما. وهذا ليس موقفا انتهازيا خصّ به حملته. هذه معركة قديمة. فهو قبل الهجوم الارهابي ل"ميراه" قام فالس وقتها بتنظيم المؤتمرات في إيفري حول العلمانية، لانه كان قلقا من تصاعد معاداة السامية. كما انه قبل الهجوم الارهابي الذي تعرض له تشارلي، كان أول سياسي يرفض الخلط الخطير الذي اعترى مفهوم "الإسلاموفوبيا" كما قام بإدانة الأفعال "ضد المسلمين". كما قام بتأييد حضانة بيبي لوب ضد الكثير وصوّت لصالح قانون مارس 2004 وذلك ضد الحجاب الكامل (البرقع) سنة 2010، وحذّر مرصد العلمانية عندما قامت هذه الأخيرة بالتقرّب من جماعات مشبوهة ... لو كان فالس رئيسا للجمهورية  فبالتأكيد لن يبق جان لوي بيانكو على رأس المرصد. فهذا الموقف يُمثّل احدى الخلافات التي يعرفها مع هولاند. ففالس مقتنع تماما أن الحرب ضد الإرهاب لن يتم كسبها فقط في مالي أو العراق أو سوريا، بل عبر النضال أيضا هنا محلّيّا ضد الجماعات الأصولية ودعايتهم على أراضينا.

لوبوان: ما هي حصّة الدعاية الانتخابية في "التسهيلات" التي قد يقدمها جزء من الحزب الاشتراكي للمتطلبات الدينية والمجتمعية
؟ "هل لتصويت المسلمين" دور في الانتخابات القادمة كالتصويت الكاثوليكي" عند حزب اليمين؟

كارولين فوريست: ليس اليسار فقط من يحاول اغراء الناخبين المسلمين. فعلى مستوى رؤساء البلديات، يعرفا النفاق والمحسوبية تقسيما جيدا. ولكن على المستوى الوطني،  يستقطب اليمين في الواقع الناخبين الكاثوليكي أكثر. امّا بالنسبة لليسار، فأعتقد أن بعض مرشحي الانتخابات التمهيدية يفكرون اكثرفي البقاء كنائب في الضواحي من أن يصبح رئيسا للدولة.

لوبوان: هل ما زالت العلمانية تُعدّ من بين قيم حزب اليسار؟ فبعد كريل في عام 1989 وقانون الحجاب في عام 2004، أصبح  اليمين واليمين المتطرف، الذان هم المدافعان التقليديان عن الكاثوليكية، أصبحا فجأة أبطال العلمانية ...

كارولين فوريست: يمين فيونيست لا يدافع عن العلمانية (أو حقوق المرأة) الاّ لمواجهة الإسلام وليس باقي الدّيانات. عندما يتعلق الأمر بتعليم ابجدية المساواة (أكثر فعالية ربما لإبعاد موضة البوركيني من اصدارالقرارات البلديّة)، فهي تستسلم للأسر الأصولية المسلمة والكاثوليكية. أما بالنسبة للجبهة الوطنية، فهي تتبنى في واقع الامر علمانية رجال الدين وكره الأجانب، على العكس تماما من روح مؤسّسيها، الذين كانوا يقاومون رجال الدين ويكافحون ضدّ العنصرية. فالجبهة الوطنيّة الانتهازية لفلوريان فيليبو لا يمكنها محو قرون من التاريخ، أو أربعين عاما من حياة حزب مناهض للإجهاض وللنسوية أو حتى لقانون مارس 2004. ونحن ننسى، ولكن علينا التذكير بان الجبهة الوطنية لم تؤيّد هذا القانون، ومنذ فترة طويلة لم تقم بشيء ضد الحجاب. وخلال جلسة استماع له من قبل لجنة ستاسي، كان ممثلها (برونو كولنيش) يُركّز بإلحاحا على ملف الأساتذة الماسونيين بدل حظر الرموز الدينية. ولم تكن حينها مارين لوبان نفسها مؤيدة للرموز الدينية. إلاّ في الآونة الأخيرة، تحت تأثير فيليبو، حيث قام بتطوير مواقع خطوط حزبها البارزة. غير انه تحت قشرة يحملها تكنوقراطي على جميع الأدراج،  لا تزال الجبهة الوطنية وريثة لليمين المتطرف المناهض لدريفوس والمناصر لرجالات الدّين. ففي الهزيمة المقبلة، ستقوم ماريون ماريشال والأعضاء "التاريخيين" بتذكير التكنوقراطي فيليبو بهذا الامر.


الجمعة، 25 نوفمبر 2016

انتباه ! الديمقراطية المتحولة





ماريان العدد الاسبوعي من 25 نوفمبر إلى الأول في ديسمبر 2016


أولئك الذين لم يروا مجيأ البريكسيت، أوترامب أو الإقالة القطعية  لساركوزي لم يفهموا الى أي حد أصبحت الديمقراطية العالمية تتحول. للأفضل كما للأسوأ.

منذ بضع سنوات حتى الآن، يمكن اعتباره العصر الحجري، يظهر استطلاع للرأي مرشحين يتم اختيارهم بواسطة لعبة الاجهزة. كنّا نقوم امّا بمتابعة برامجهم أم نرفضها، يتم فك لغزها وشرحها من قبل هيئات ووسطاء  وفق أهوائهم أو ثقافتهم الأيديولوجية.

أمّا العالم الجديد فهو أكثر اضطرابا، وأقل قابلية للتنبؤ. الانتخابات هي بمثابة مسابقة "نيو ستار". يتم تنقيط كل أداء اعتباطيا على الشبكات الاجتماعية، من قبل لجنة التحكيم التي تتوفر على نفس حسن النية التي تتوفر عليها لجنة تحكيم التزحلق الفني على الجليد.

بين الاستهجان. استنكارات مجهولة المصدر والهجمات المفترية. المتزلج الذي يخوض هذه التجربة يخرج بنفس اللكمات التي يتلقاها الملاكم تحت الحزام.

مرحبا بكم في الديمقراطية 2.0! تتلخص غالبا في الاختيار بين مرشح يشتبه في كونه مقرّبا من قطر ومرشح يشتبه في كونه مقرّبا من روسيا. كلاهما من الحيوانات المفترسة الكبيرة والمفسدة للسيادة، ويحقّ للناخبين توخي الحذر منهما. ولكن نظرا للتهديد الجدي للهجمات الإرهابية موازاتا مع التقدم الحقيقي والخطير للدعاية الرقمية الروسية (في المواقع المشهورة باعادة الاخبار، والتي هي بديل للبرافدا)، فحملة المرشح الذي يساند  بوتين تمر في أجواء هادئة أكثر من التي تغض الطرف عن بعض التيارات الاسلامية مثل الاخوان المسلمين. فاسألوا ألان جوبيه أو هيلاري كلينتون!

لا بأس إذا كان ذلك سيخدم مصالح المتنافسين  الذين هم أنفسهم متورطين، البعض محاطين باصوليين والآخرين مفتونين بالحكام المستبدين، فالديمقراطية 2.0 لا ترى أبعد من انفها. بين شرّين وهجمتين، يتوخى مستخدم الأنترنيت الحذر (وعن حق) من حقائب قطر دون الانزعاج (وعن خطأ) من الحقائب الروسية.

هذا هو السبب الذي جعل نفس العالم الذي انتخب دونالد ترامب، هو نفسه الذي أوقف رقصة البوما لنيكولا ساركوزي. حسنا، ليست بالضبط نفس العالم. ففي الولايات المتحدة، لقد أخرجت دعاية الشبكات الاجتماعية، ديمقراطية الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) تماما عن مسارها، كما انا ترتكز على انتخابات بدورة واحدة. هناك، يمكن للمرشح أن يكون على رأس القائمة عند الناخبين الكبار حتى ولو حصل على مليون صوت أقل!

أما نحن فلدينا انتخابات رئاسية بدورتين. تتطلب من الناخب استراتيجية أكبر وقبل كل شيء فهي تتحكّم  أكثر في خطر الشعبوية. حتى عندما تنفخ شياطين الخوف والغضب في أشرعة من هم أسوأ.

فما قبل خمسة عشر عاما، بدت مؤسسات الجمهورية الخامسة جامدة وغير قادرة على التجديد. لكنها استدركت الامر عندما انتقلت الولاية الى خمس سنوات، وتمت إضافة انتخابات تمهيدية، فربما تكون قد وجدت التوازن في هذا العالم غير المستقر عبر احتواء التطرف، وفي نفس الوقت، إحباط سيناريوهات مكتوبة مسبقا.

دعونا نتذكر حالة المعنويات المتدهورة لهذا البلد عند دخول شهر شتمبر. أنهكتهم التفجيرات، وانتابتهم حالة من اليأس لفكرة الذهاب إلى نفس اللوائح الانتخابية الرئاسية الأخيرة. سيناريو مهين وخطير حيث نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند يعيدان خوض المبارزة مع خطر ابراز مارين لوبان كبديل.

أما في السيناريو الجديد الذي هو من تأليف الانتخابات التمهيدية، فالناخبين هم الذين قرروا
 في مَن يتصدر الاّفتات. بفضل تعبئتهم، قدّم لنا حزب اليمين مبارزة حقيقية بين خيارين جوهريين، لا شكليين فقط: يمين شيراك ضد يمين بوتين.

ومن دون تعبئة قوية من الناخبين من الوسط واليسار، فلا أرى كيف سوف لن يفوز يمين بوتين. إذا كان هذا هو الحال، فإن احتمال وجود اليمين المتطرف سوف ينقص قليلا من الأوكسجين عن الجبهة الوطنية ( الايف اين)، ولكن أيضا
 سوف يفتح الأمل لليسار. جبهة أكثر اتحادا لرفض كتلة مارين لوبان وبرنامج جد يميني والتاتشرية و"منيف للجميع" لفرانسوا فيون.

وهذا يعني إفشال السيناريو الاخير: اعتقاد أن هذه الفزاعة تكفي. فللبقاء على قيد الحياة في هذه الانتخابات، يجب على حكومة اليسار خلق المفاجأة أيضا. وتقديم مرشح جديد. مطمئن واصلاحي وذو مصداقية أوقات الإرهاب والثورة المحافظة، ولكن يختلف عن المرة السابقة. هل فرانسوا هولاند على استعداد أن يقوم بهذه التضحية حتى يمكِّن بلده من فرصة جديدة؟


كارولين فوريست

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

هؤلاء "المزيفين" المناهضين للنظام




يجب دائما
أخد الحذر من السياسات التي تنفجر ضد النظام. انّها الأسوأ. وريثة سانت كلاود تعيش بالديماغوجية السياسية الموروثة من الأب الى الابنة. فالرئيس السابق لبلدية نويي كان يحلم دائما بالاغتناء عن طريق قيادة سياسة في خدمة الأغنياء.

سياسة يتحمل مسؤوليتها البرلماني اللبرالي لباريس، انتخب بفضل الدائرة السادسة لباريس ولكنه في نفس الوقت يصفع نخبة سان جيرمان دي بري. لا أتحدث عن المحامي الذي ... ترك شركة بيغماليون تقوم بما قامت به. أو المتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة والذي يسمي نفسه مضاد لخريجي هذه المدرسة لإرضاء صناديق الاقتراع. أو الطفل المدلل الذي مر من صرّاف الى وزير، والذي أرجع بدلة عمله ليصبح بدوره وبسرعة رئيسا دون المرور عبر الانتخابات التمهيدية ... آه، انهم وسيمين هؤلاء المناهضين للنظام، معنيين بشكل مؤكد بأحوال الشعب، حقّا!

ولكن عن أي نظام يتحدثون عنه؟ ولماذا لم يُعرٍّفون به قط؟ فاذا ما قدَّموا لنا توضيحات حول النظام ستُفضح مناوراتهم. فالنظام، في أفواههم، لا يعني الشبكات المالية غير المضبوطة ... ولكن الديمقراطية التمثيلية المكونة من السلطات
المضادة والهيئات الوسيطة. أمر مقلق عندما نفضل الديماغوجيا الديمقراطية المباشرة على طريقة الدمقراطية "الشعبوية".

نحن نتفهم مصلحة ساركوزي في استهجان الهيئات الوسيطة التي تُذكّره بالدستور أو الصحفيين عندما يُذكّرونه بحصيلته . ولكن ما هي الفائدة من تصديق هذا الامر؟ هل يجب على المرء تقبل التلاعب حتى يصبح جزءا من "الشعب"؟

لقد نشأتُ في منطقة الجنوب. قبل ان أصل إلى باريس، واشتغلت في الصحافة، وكنت
أعتقد انا أيضا، أن الصحفيين والسياسيين عبارة عن حيوانات غريبة ومنقطعة عن "الشعب". لكن الامر عكس ذلك تماما: هم أناس شغوفين بالمعرفة، محتدمين أكثر بالآخرين وبالمصلحة العامة، بالنسبة لما هو عليه عامة الناس.

حقا هناك العديد من الاستثناءات. الصحفيين أشباه النعام. يوم يخطئون. وفي اليوم التالي، يهاجمون وسائل الإعلام خوفا من تعرضهم للإقصاء. فالنعامة متقلِّبة. وخيانة المثقفين موجودة. لكن البعض الاخر أكثر تبصّرا ينددون بهؤلاء الخبراء ويستنكرون مسؤولية الاسلام الراديكالي أو أضرار العولمة. ولماذا القيام بهذا الخلط؟

لقد فقد الصحفيون بصرهم. كما أنه ليست من مهامهم ولا من مهام استطلاعات الرأي التكهّن ما قد يصوت المواطنون به. كما لو كان الامر عِلم دقيق. ذلك من شأنه ان يُشكل مؤامرة النظام! والدليل القاطع على أن لا وجود لها، هو أن الناخبين هم فقط من يصيِّروا الانتخاب. وهذا أمر جيد!

بما انني كتبت أن ترامب كان من المرجح أن ينجح في الانتخابات في فبراير ثم شتنبر عام 2016، أود أن اطير لإنقاذ كاتبي الاعمدة الذي لم
يرغبوا في تصديق ذلك. فالبعض فقدوا أبصارهم. والبعض الآخر رفضوا ببساطة كون دجّال وعنصري ومعتدي جنسيا، يقطن بالبيت الأبيض. لديهم الحق. بل لعله أمر صحي للغاية.

واليوم يقال لنا بكل الوسائل الممكنة أن دونالد ترامب، في نهاية المطاف، سوف "يتطبّع".
فالفكر الملائكي
بالتأكيد مرض غير قابل للشفاء. فقد لن يقوم ببناء جدار حقيقي ضد المكسيكيين (مجرد سياج)، ولن يحظر الأراضي الأمريكية تماما على المسلمين الأجانب، أو حتى القيام بتمزيق بوحشية معاهدة كوب 21. ولن يمكث طويلا معتمدا سياسة الانعزال نظرا لحالة العالم وتقلّباته.

ومع ذلك فترامب هو بالفعل تحت تأثير بوتين ويتعهد بتعيين قاضي مناهض للإجهاض في المحكمة العليا كما يستعد لإعطاء مفاتيح البيت الأبيض لستيفن "ستيف" بانون، أحد الدعاة لألت رايت (بديل اليمين)، يمين متطرف ومدافع عن الهوية وكاره للنساء ومعاد للسامية والمثلية الجنسية ومناصر لنظرية المؤامرة. فاليهود والنساء والمثليون جنسيا مضطهدين منذ زمن من قبل الإسلامويين، سيصبحون مضطهدين ايضا من قبل القوة الناعمة الأمريكية!

في عهد أوباما، كان البيت الأبيض يدعم الحركات الموالية للحجاب مما يخدم مصلحة الأصوليين. وتحت ترامب، سيتم تشجيع الهوية واليمين المتطرف الذي تقوم القوة الناعمة الروسية بمساعدته منذ مدّة ... مستقبل مُشعّ وحملات انتخابية متسمّمة مضمونة.

ويكفي أن نقول أن هناك ضرورة ملحة لمقاومة دعاية من هم مناهضين للنظام. كما حان الوقت لوقف السخرية عن بعض السياسات الأكثر عقلانية. هناك العديد من الدمى المضحكة التي تتطابق مع وصف مقتضب للمستفيد الساخر. ولكن هم بالضبط أولئك الذين يريدون أن ينتخبوا عن طريق شجب النظام!


كارولين فوريست