الخميس، 3 مارس 2016

العلمانية، اليمين المتطرف، والحجاب، والحلال ... كارولين فوريست تكشف عن أفكارها (الجزء 2/2)

3 مارس 2016 فريدريك جيلدوف



الجزء الثاني من المقابلة مع كارولين فوريست. أردنا أن نتحدث معها، عن العلمانية، خاصة عندما عرف مرصد العلمانية انتقادات حادة على نطاق واسع. ما هو مفهومها للعلمانية؟ ما هو موقفها اتجاه الحجاب أو الحلال في المقاصف؟
 
أنفو حلال: كارولين فوريست، ما هو الآن تعريفك للعلمانية؟ وما هي أوجه الاختلاف في تعريفك لها بينك وبين تصور "امرصد للعلمانية" أو "جَمعية التعايش"، والتي تبادَلْت معها نقاشا متوترا عبر المنتديات؟
 
كارولين فوريست: ليس لدينا خلافا مع المرصد في يخص تفسير نصوص القانون الذي صدر في 1905. لقد دافعنا على نفس التَوجُّه أمام أولئك الذين يريدون فرض حظر الرحلات المدرسية على الأمهات المحجبات (انظر هنا). وفي نفس الوقت فإننا نختلف تماما فيما يخص دور مرصد العلمانية. لا أعتقد أن دورها هو دعم الأشخاص أو المنظمات التي تحرض على الكراهية اتجاه العلمانيين وتعرض حياتهم الى الخطر بوصفهم "بالإسلاموفوب ".
 
انفو حلال: لقد شاركت في التوقيع على المقال التالي - "ضد الظلامية الجديد" في مجلة ليبيراسيون - والذي جاء فيه ان وسائل الإعلام "غالبا ما تفضل إعطاء الكلمة للفتيات المحجبات وللملتحين". ولكن في نفس الوقت عندما نتكلم عن الإسلام، وعلى عكس ما تدعون، لدينا ضيوف من قبيل الشلكومي أو السيفاوي الذين يتوافدون باستمرار على مسارح التلفزة ...
 
كارولين فوريست: هذا المقال يعود تاريخه الى عشر سنوات مضت ... في ذلك الوقت، لم نكن نرى سِوى طارق رمضان على شاشة التلفزيون. كان يدعى بصفته ممثلا للإسلام الحداثي الأوروبي في حين أنه يحتقر الحداثيين ويدافع على الإسلام الأصولي والمتطرف. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف العديد من الأصوات الأخرى، مختلفة تماما وأكثر تنوعا وفوق كل شيء صادقة. ففي دولة ديمقراطية، أجد أنه من الطبيعي أن يتم تغطية المكثفة لحوارات المسلمين العلمانيين المهددين بالقتل وللصحفيين الذين اشتغلوا أكثر من عشرين عاما على موضوع الجهاد، على ان يتم تغطية حوارات لاسلامويين مشكوك في امرهم يساندون أطروحات تآمرية . خاصة عندما يستوجب الامر التعليق على أخبار تُبث عن الهجمات والتهديدات ... وهذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نستدعي الأصوليين في إطار الحوار النقدي والبناء، ولكن على الصحفيين أن يكدون ويجتهدون أكثر حتى يتمكنون من معرفة وفهم الإسلام والإسلاموية، وتياراتهم المختلفة، وحتى يستوعبوا فكرة تقديم ضيوفهم بوصفهم بالراديكاليين (ان كانوا كذلك) بدلا من تقديمهم كأنهم يجسدوا الأغلبية. فلعل إعطاء الصوت والكلمة للأصوليين، أفضل وسيلة للرفع من نسبة المتتبعين ولكنه في نفس الوقت يساهم ذلك في زيادة العنصرية! يجب علينا ألا ننسى أن في هذا البلد، الخطر الرئيسي ليس هو الإسلام ولكن الجبهة الوطنية. وقد تفوز في الانتخابات. إذا ما وضعتم الإسلامويين في كل مكان على مسارح التلفزيون لتمثيل مسلمي فرنسا، في حين أنهم (أي الاسلامويين) في الواقع أقلية في هذا البلد، فإنكم بذلك تعززون الدعاية العنصرية التي نراها في كل مكان ... أنا أفضل أن اعطي الكلمة لعبد النور بيدار أو لطيفة بن زياتن، وإلى أقصى عدد ممكن من المسلمين العلمانيين الصادقين. قد يكونوا مكروهين من قبل راديكاليين، لكنهم يؤمنون بما يقولون، وهم يغامرون بذلك، ويقدمون الدليل القاطع للعنصريين على اننا ربما قد نكون من ثقافة مسلمة ولكن في نفس الوقت نتحلى بمبادئ المواطنة.
 
أنفو حلال: هذا المقال تم توقيعه مع بيار كاسين، أحد منظمي "ابيرو نقانق بينار" وأحد مؤسسي ريبوست لاييك ...
 
كارولين فوريست: لم يَخِفى عليكم ان بيار كاسين كتب، ليس مقالا واحدا ولكن العشرات من مقالات العنف المفرط ضدي منذ ذلك الحين. فعندما وقعت على المنصة معه، يعود تاريخ هذا الحدث الى أكثر من عشر سنوات مضت، وكان ناشطا في اتحاد العائلات العلمانية. وبدأ ينجرف بضع سنوات بعد ذلك. فترك بالتالي هذا الاتحاد عندما خلق كاسين ريبوست لاييك، وكُنتُ من بين أول من ندَّدت بخطبه المعادية للمسلمين. وأفعل ذلك بانتظام. ما يجعل مِني أحد أهداف هذه المنظمة اليمينية المتطرفة.
 
"فيما يخص العلمانية، يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في تصورنا للضوابط وفيما هو ممنوع"
 
 
أنفو حلال: وللعودة إلى العلمانية، هل يجب وضع اطار ملموس جدا للعلمانية؟ على سبيل المثال، هل حسب رأيك يجب منع أم لا، الاكل الحلال داخل المقصف؟
 
كارولين فوريست: لا يجب وضع المقاصف المدرسية العمومية فوق كرسي الاعتراف. لأن طبيعة هذا الامر يفرض عزل الطفل عن رفاقه، نعثه وتمييزه عنهم. غير ان المدرسة مكان نتعلم فيه الاختلاط. وعلى وجه التحديد، واذا قمنا بتحديد وجبات الغداء حسب ديانة الوالدين، سيتطلب هذا الامر عدة مطابخ، لفصل الأواني عن بعضها البعض ليكون ذلك موافق للشريعة اليهودية أو حلال يتطابق وفرائض الشريعة الاسلامية. ليست هناك بَلدية تتوفر على هذه الامكانيات. ما أقترح، ولسنوات، هو ببساطة إعطاء الاختيار للأطفال لإحضار طعامهم، أو تقديم خدمة ذاتية تُوفِّر الاختيار بين قائمة الوجبات بلحوم وأخرى بدون لحوم. وإذا كان ممكنا توفير إمكانية الاختيار بين عدة أطباق. بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في مراقبة المحرمات الغذائية (دينية أو طبية) يمكنهم إثر ذلك القيام بتحديد اختياراتهم دون الإخلال بنظام المقصف ككل، ودون تمييز أو فصل الاطفال عن أصدقائهم. حتى يتمكنوا من تناول وجبة الطعام معا.
آنفو حلال: جان بوبيرو، المتخصص في علم اجتماع الديانات ومؤسس علم الاجتماع العلمانية، يُأَكِّد أنه فيما يخص العلمانية، ففرنسا تتواجد "في حدود ما هو ممكن تحمله في مجتمع ديمقراطي" هل تعتقدين أننا فعلا وصلنا الى أقصى هذا الحد، وأن النقاش حول العلمانية قد يجعلنا نعبر هذا الحد؟
 
كارولين فوريست: أنا لا أتفق كثيرا مع جان بوديرو، ولكن أعتقد أيضا، وأنا أكتب ذلك منذ سنوات، أننا يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في تصورنا للضوابط أو ما هو ممنوع. لقد ساندت قانون مارس 2004، ولكن اتخذت الموقف الصحيح عندما وقفت الى جانب الأمهات المحجبات في الرحلات المدرسية (حتى وان تعرضت الى مخاصمة بعض العلمانيين) وأنا ضد حظر الحجاب في الجامعات. وهو المكان الذي على عكس المدارس الاعدادية والثانوية يتواجد فيها الطلبة البالغين الذين يتعلمون التعبير الشعبي والسياسي. في كتابي "آخر اليوتوبيا "، وسيكون هذا أيضا موضوع كتابي القادم، أقوم بالتحديد والفصل بين بعض الفضاءات مثل المدارس العمومية حيث العلمانية أمر إِلزامِي يأتي قبل الحرية الدينية وفضاءات مثل الشارع أو الشركات والتي ينبغي فيهم منح امتياز خاص للحريات. يجب أن يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات. وأعتقد أننا بهذا شكل قد نحقق ذلك.
 
 
 
"العنصرية المعادية للمسلمين موجودة. وانا استنكر دائما هذه الاقوال والأفعال المعادية للمسلمين، كالاعتداء الجسدي على النساء المحجبات مثلا. ولكن عندما أقوم باستنكار ذلك، لا أحد يسمع. وعندما أنتقد الأصوليين، يصفونني "بالمعادية للإسلام".
أنفو حلال: أنتِ مع ارتداء الحجاب خارج المدارس العمومية. موقف مدهش بالنسبة لنسوية ...

  

كارولين فوريست: أنا نسوية وديمقراطية. في سنة 2004، ناضلنا من أجل حلّ وسط. لا للرموز الدينية في المدارس العمومية، ولكن لا لحظر الحجاب في الشارع. ولم أقل أي شيء آخر غير ذلك. هل ترى الفرق بين حملات العنف ضدي وواقع مواقفي؟ الشارع هو مكان عام. هذا هو المكان الذي نلتقي فيه. الناس لديهم الحق في ارتداء علامات حسب اختيارهم طالما لا يقومون بإخفاء وجوههم، وذلك لأسباب أمنية بسيطة. عندما النسويات الإيرانيات والجزائريات اللواتي سبق لهن أن فررن من الأصولية في بلدانهن، يرون فتيات محجبات في الشارع، أتفهم احباطهن. أنا أيضا أشعر بالرغبة في البكاء عندما أرى ليس الأمهات بل الأخوات والفتيات في سني أو أقل مني سنا يستسلمن لهذه الموضة الرجعية. وسوف أحارب إلى آخر رمق في حياتي حتى يفضل جيلي عدم حمل واجب الاحتشام فوق شعر النساء. فعلى الرجال ضبط النفس في الفضاء العام، وليس على النساء التكتم والسترة. انهن مستترات بما فيه الكفاية. يعتقد البعض أن ارتداء الحجاب في باريس هو أقل رجعية مما هو به الحال في إيران أو مصر. هذا هو بالضبط عكس ذلك. صديقاتي المصريات، محجبات أم لا، لا يستطعن المشي في شوارع القاهرة دون انزعاج أو لمس. حتى ان أخريات خاطرن بحياتهن لرفضهن ارتداء الحجاب في الجزائر في منتصف التسعينات، عندما قَتلت الجماعات الإسلامية المسلحة الفتيات اللواتي لم يطبقن الإنذار وذهبن مكشوفات الراس الى المدرسة. الاستسلام في باريس، بغض النظر عن السياق، وكل هذه المعارك قد يطغى عليه طابع التمرد في فرنسا لكنه فائق الأنانية على الصعيد العالمي. نحن محظوظون للعيش في بلد حيث تعطي المدرسة لنا الوقت لصياغة خياراتنا، دون انتساب الى دين ما في نظر الآخرين، واحترام هذا الاختيار لمن أراد بعد ذلك. وهذا توازن نادر، يوشك أن يكون فريدا من نوعه. نجد في جميع بلدان العالم تقريبا إما الأصولية والدكتاتورية. هنا، لا هذا ولا ذاك. وهذا الإنجاز لا يزال هشا. يجب أن ندافع عليه، بدلا من محاولة العودة الى الوراء باستمرار. عندما تم التصويت على العلمانية في سنة 1905، كان ذلك إثر مواجهة عسيرة وعنيفة للغاية مع الكنيسة الكاثوليكية. واستمرت في الإدانة بهذا القانون واعتباره "جاحدا" وغير عادلا لعقود ... أما اليوم، فحتى الكاثوليكيين يعترفون بأن الانفصال، والضوابط التي ترافقه، ضرورية لحماية التدخل السياسي في الدين والتدخل الديني في السياسة. ويجب تسجيل قانون مارس 2004 في هذا السياق. أنا أعرف ان بعض المسلمين اعتبروا أن طابع هذا القانون الاستثنائي. انه بالضبط عكس ذلك تماما. هو شرط مرتبط بالرغبة في المساواة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق